أخبار - 2017.08.10

في حديث حصري لليدرز :الباجي قايد السبسي يتحدّث عن الشاهد والنهضة ... وعن المستقبل

في حديث حصري لليدرز :الباجي قايد السبسي يتحدّث عن الشاهد والنهضة ... وعن المستقبل

من كان يتصوّر في سنة 2014 أنّ الرئيس الباجي قايد السبسي سيكون اليوم في المنصب متحمّلا ٲعباءه بلا كَلَلٍ ولا ملل؟ لا يرى الباجي قايد السبسي اليوم - وقد مرَّت على دخوله قصر قرطاج، في 31 ديسمبر 2014، سنتان ونصف السنة - موجبا على الإطلاق لتشكيك المتشككين. "لقد مرّ 36 شهرا بالتمام والكمال، أحسب ذلك في كل شهر". قالها على وجه التصحيح والتدقيق. مدّة تتالت إبَّانَها الصعاب، في ظل أوضاع عسيرة ومعقدة، وندرت خلالها أسباب الدعة وساعات الهناء. تناصفت العهدة في شهر جويلية المنقضي... بأيّ حصاد وبأيّة حصيلة؟ وما هي الإنجازات التي ستتحقّق حتى نهاية سنة 2019؟ ما رأي الباجي قايد السبسي في كل ذلك؟ هل ينوي الترشح لمدة رئاسية ثانية كما يشاع؟ هل يفكر في إجراء تعديل على الدستور؟ ما تقييمُه لحكومة يوسف الشاهد؟ هل يسْنِدُها في كل أعمالها ومساعيها، بما في ذلك مقاومة الفساد؟ هل يملك حلاّ يُخْرج حزب النداء من أزمته ؟ ما علاقته مع حزب النهضة ؟ هل أنّ وثيقة قرطاج لا تزال قائمة؟ هل يعتقد أنّ ليبيا سائرة في الطريق الصحيح؟ وكيف يرى مستقبل تونس؟

قَبِل الرئيس الباجي قايد السبسي الإجابة عن كلّ هذه الأسئلة وعلى غيرها، في حديث حصري خصّ به مجلة ليدرز الناطقة بالفرنسيّة.

هو دائما على حسن هيأة، وأناقة رفيعة. لا تخفى عليه خافية ذات شأن، عليم بما يحدث في صالونات العاصمة، وحتى في أغوار البلاد، وخارج حدودها... يحتفظ بذلك لذات نفسه في جلّ الأحيان. تحْسَبُه يرتجل خُطَبَه ارتجالا، أو يدلي بتصريحاته دونما إعداد مسبق. لكنه في الواقع يوفي مداخلاته وخطبه حقها من الإعداد الجَيِّد والعناية الفائقة. هو يقرأ ألف حساب للرمزية، ويبعث للمقربين منه برسائل مشفرة عليهم فك رموزها واستجلاء معانيها. يقول: "إني رجل جِدِّيّ!"

في مكتبه بقصر قرطاج الذي ٲصبح بمثابة المَعْلم التاريخي بفضل بورقيبة.. التاريخ حاضر بقوّة كان الباجي قايد السبسي زمن بورقيبة كثير التردّد على مكتب الرئيس بحكم المهامّ التي يتولاها لدى "المجاهد الأكبر"، وهو من بين الأشخاص القلائل الذين كان يُسمح لهم بدخول غرفة نوم بورقيبة كل صباح ليطلعه بإيجاز على بعض المستجدات قبل أن يلتحق بمكتبه ويباشر مهامّه اليومية. وكان يحضر بعض المقابلات الرئاسية. كما كان الباجي قايد السبسي من بين القلائل الذين يجاهرون "الزعيم" بالصدق، وإن لم يمنعْه ذلك من تقديم استقالته في مناسبتين، وتلك قمة الجرأة في عهد الزعيم. كانت العلاقات بين الرجلين وِدِّيَّة تماما، وقائمة على الاحترام والثقة، لكنها لم تنج من تاثيرات الحاشية التي ظلت محدودة جدّا فلم تؤدّ ٲبدا إلى خلاف علني "ولا خاص. "لم يحدث أبدا أن تعرضْتَ لتأنيب بصوت عال من بورقيبة، لماذا؟ هل ذلك بسبب علاقات الصداقة التي كانت تربطك بنجله خلال الطفولة؟ "يقول الباجي قايد السبسي ردّا على هذا السؤال: "كنت أعرف تماما حدودي فأقف عندها ولا أتجاسر البتّة على تجاوزها، وكنت لا أتقاعس قط عن القيام بواجباتي". ماهي الجملة التي كان يكرّرها بورقيبة جملة  كان يكررها باستمرار كلّما عَنَّ له أخذ قرار؟ هل تستذكرها؟ "نعم، تماما! لقد ظلت تَرِنُّ في أذني؛ "إني رجل جِدِّيّ"، تلك هي.

دأب الباجي قايد السبسي أن يظلّ "رجلا جديّا" أسوة بالزعيم. ترى! كيف يمكن أن يكون المرء جديّا في هذا القرن الحادي والعشرين، وفي تونس ما بعد الثورة؟ التاريخ وحده كفيل بالإجابة عن هذا السؤال.

كيف تنظرون إلى رئيس الحكومة يوسف الشاهد؟

ليكن في علمك أنّ وقوع اختياري عليه لم يكن البتّة نتيجة ضغوط مورست عليّ من أية جهة كانت. السيد الحبيب الصيد كان مثالا للاستقامة والكفاءة ونظافة اليد. لكن كان لا بدّ من تعيين رئيس حكومة جديد. ولم يكن ليوسف الشاهد من اختيار سوى مواجهة وضع صعب للغاية ومعقّد. لكنّه لم يجد المؤازرة التي هو في أشدّ الحاجة إليها. بل أن هناك الكثيرين ممّن وقفوا على الربوة في مناهضة حكومته. يخطئ تماما من يتحدّث عن خلافات بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة. فكلاهما يضطلع بدوره وفي حدود صلاحياته. ولماذا تريدون أن يكون رئيس الحكومة في معارضة مع رئيس الدولة والعكس بالعكس؟

أتساندونه؟

وبالكامل. هو في حاجة إلى مساندة الجميع ومشاركة الجميع بدءا منّي شخصيا. من واجب رئيس الجمهورية أن يكون في مساندة رئيس الحكومة في سعيه إلى إنجاز برنامجه؛ ولست في حاجة إلى التذكير بأنّ برنامج الحكومة كان قد حظي بدعم من البرلمان.

ما هو مدى دعمكم لمقاومة الفساد؟

وهل هناك شك؟ ذاك من باب الواجب. مقاومة الفساد بكل مظاهره تمثل بطبيعة الحال تحديّا جوهريا على الدولة أن ترفعه بكل تصميم. علينا أن نذهب في مكافحة الفساد بكل الوسائل المتاحة، لكن في إطار القانون واحترام الحقوق، بما فيها حقوق من أخطأ وأذنب.

هل مددتم يد المؤازرة ليوسف الشاهد؟

بالكامل، ومن الوهلة الأولى.

والآن؟

إني ماض في متابعتي عن كثب لما يتحقّق من إنجازات على هذا المستوى. وليس لنا من اختيار آخر، وعلينا أن نمشِيَ قُدُما على الدرب.

بادرتم إلى عرض مقترح على مجلس نواب الشعب في شكل قانون حول المصالحة "الإدارية".

كنت أسعى إلى طيِّ صفحة ماض أرى أن لا مَفَرَّ من تجاوزه وبكل سرعة. حينما عدت إلى معترك الحياة العامّة ومن موقع رئيس الجمهورية هذه المرّة، ارتأيت أنّ الوقت قد حان لكي ننظر إلى المستقبل، وإني مصرّ على ذلك حتى لو حصل بعض التأخير على هذا المستوى. كان أملي أن أظفر بوفاق حول هذه المصالحة التي تهمّ أعوان الدولة من نظاف اليد وذوي الكفاءة، ومن الذين لم يفعلوا أكثر من تنفيذ تعليمات مُلِحَّة. ولم يحُلْ غيابُ الوفاق المنشود دون ظهور أغلبية لفائدة المقترح. فالهدف المنشود يبقى متمثلا في دفع هؤلاء إلى العمل في مناخ من الثقة والاطمئنان أصبحت تونس في أشد الحاجة إليه.

تتعالى أصوات كثيرة تنشادكم أن تبادروا إلى مراجعة الدستور، هل ستفعلون؟

أنا الضامن للدستور رغم ما فيه من مواطن ضعف. وسوف لن اتّخذ مبادرة تعديله. والآن وقد ظهرت حساسيات أخرى شاءت أن تنحو هذا المنحى، فلا أمانع في ذلك. فالشعب يبقى صاحب القرار الأخير. وأؤكد أني بصفتي رئيسا للجمهورية أبقى الضامن للدستور.

موعد سنة 2019، هل تقرؤون له حسابا؟

هو موعد آت لا ريب فيه. المهمّ هو أن تكون تونس حينذاك أقوى، وفي وضع أكثر أمانا ورخاءً. لا داعي للعجلة. من سيكون في الموعد؟ ليس من الهَيِّن التكّهن بذلك في الوقت الحاضر. وعلى من هُمْ في عجَلَةٍ من أمرهم ويستحثّون الخطى من الآن أن يكُفُّوا عن تلويث الأجواء السياسية. أرجو أن يظلّ الشعب التونسي في الأثناء أكثر تماسكا وتوحُّدًا وفي حال أفضل. وصندوق الاقتراع هو الذي سيكون الفيصل الوحيد في آخر المطاف.

هل ستكونون من بين المرشحين؟

من قال أني سأبقى حيّا أرزق إلى ذلك الحين؟ كلّ قرار بأوان. لكن لا تنسوا أنّي رجل جِدِّي. لن أسمح لنفسي بالمغامرة بشؤون الدولة.

وماذا عن "نداء تونس"؟

"النداء" لم يمت. هو يمرّ بصعوبات كغيره من بعض الأحزاب الأخرى، ولو أنّ نصيبه منها أوفر. المشهد السياسي في حاجة الى أن يستعيد بهجته، في ظلّ توازن أفضل، بحيث يسمح لجميع الحساسيات السياسية بان تكون ممثّلة، وبأن تتاح لها إمكانية التعبير عن مواقفها والتعايش فيما بينها. تونس في حاجة إلى كل أبنائها، ولكلّ نسائها على وجه الخصوص. ويساورني أمل في أن يدرك التونسيون والتونسيات جوهر هذه الرسالة التي أوجِّهها إليهم، وأن يبذلوا ما وسعهم من الجهد وحتّى من التضحية حتّى تسير تونس إلى الأمام. حينما أقدمت على تأسيس "النداء"، لم أفعل ذلك لذات نفسي. لقد أردت أن يكون قِبْلة أوسع طيف ممكن من النقابيين والمستقلين والدستوريين ومن مناضلي اليسار، دون إقصاء أحد. كان ذلك بمثابة الرهان بالنسبة إليّ. ولا زلت على العهد: أريده حزبا مفتوحا على مصراعيه أمام الناس جميعا.

جيد! لكن الوضع اليوم مختلف وعاجل. هل من حَلٍّ أخير بالنسبة إلى النداء حسب رأيكم؟

هنالك أكثر من حلّ! لكن الأمور بتواقيتها، بلا تأخير وبلا تقديم.

وثيقة قرطاج، هل ما زالت قائمة؟

لستُ أنا مَنْ كتبها.. مُحرِّروها هم الأحزاب والمنظمات الموقّعة عليها. ليس هنالك من بديل آخر في الواقع. الوثيقة ليست مجرّد أداة للتسلية أو لعبة يُلْتَهى بها. أصحاب الوثيقة هم كلّ أطرافها، وفيها تكريس لإرادة في تشريك كلّ الحساسيات في رفع التحديات الكبرى المطروحة على البلاد.

ماذا عنكم وعن النهضة؟

كنت قبل قليل في استقبال الشيخ راشد الغنوشي ونحن على اتصال منتظم. وما بقي هذا الحزب منخرطا في الخطّ العام للبلاد، فإننا سنُبقي على تعاملنا معه. تعلمون جميعا أنني لستُ نَهْضَوِيًّا ولستُ مدينا لهذا الحزب بشيء، بما في ذلك انتخابي رئيسا للجمهورية، حتى وإن صَوَّت راشد الغنوشي لفائدتي كما قال لي ذلك. لقد حصل حزب النهضة على المرتبة الثانية في الانتخابات التشريعية، وهو يبذل جهدا واضحا في سعيه إلى أن يتحوّل إلى حزب سياسي. وقد ذهب خطوة في هذا الطريق لكنها تبقى خطوة غير كافية. وما دام هذا الحزب يعترف بالدولة ويتطوّر في الاتجاه الصحيح، فإني آخذ ذلك بعين الاعتبار. من واجبي أن أضمن مشاركة كلّ الحساسيات السياسية، حتى تلك التي لا تشاطرنا مواقفنا، وذلك ما ظلت تعمل وفق القانون وتحترم التشريع.

هل لديكم مشكلة مع "أهل اليسار "؟

لا، أبدا! ليست لدينا أي مشكلة. لكنني لست على اتفاق معهم حينما يريدون أن يجعلوا من تونس دولة يسارية الموقع. وعلى بلادنا أن تناهض مثل هذا المسعى في العمق. مجتمعنا على تعلّق قوي باعتدال الوسط الذي هو جماع مختلف التعبيرات. ينبغي ٲلاّ ننسى ما نصّ عليه الدستور من أنّ تونس دولة مدنيّة لشعب مسلم. علينا أن نأخذ كل هذا بعين الاعتبار ولا يمكننا أن نُقِرَّ أيَّ إجراء يُخشى أن يصدم الشعور القومي للتونسيين.

هل يمثل اللقاء الذي حصل بين حفتر والسَّرَّاج  في باريس تقدّما فعليّا؟

هي مرحلة. بقي هنالك عمل كثير ينبغي القيام به. تونس هي البلد الذي يعرف ليبيا على أفضل وجه، وهو ما يعلمه كل القادة في ليبيا وما لا يخفى على الشعب الليبي ولا على حفتر. يعرفون جميعا ويقَدِّرون موقف تونس المناهض لكلّ تدخّل أجنبي، ومناصرتها لكلّ حوار بين مختلف الأطراف في ليبيا. فأمْنُ ليبيا من أمن تونس، وكذلك الشأن بالنسبة إلى الجزائر. وقد توفقنا بالفعل إلى إقرار تعاون مستمرّ مع الجزائر الشقيقة، ونسعى معًا إلى إيجاد مخرج للأزمة الليبية.

ولتسهيل هذا الحوار الليبي لم أتردّد في إطلاق مبادرة في هذا الاتجاه في ديسمبر الماضي حظِيَتْ بموافقة من الرئيسين بوتفليقة والسيسي. وقد ناشدني الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش مؤخرا أن أظلّ ملازما لهذا المسعى مع نظيريَّ الجزائري والمصري. وتجري مشاورات مستمرّة في هذا الصدد بين وزرائنا للشؤون الخارجية الذين سيلتقون قريبا في إطار اجتماع ثلاثي جديد ينعقد بعد اجتماعي كل من تونس والجزائر. وأواصل من جانبي الالتقاء بالعديد من الوفود الليبية، وأحرص على أن أخاطبها بلغة الصراحة وأن أدعوها إلى الركون إلى الوفاق وإصلاح ذات البين.

كيف يتراءى لكم مستقبل تونس؟

أراه مشرقا! لقد قبلت بأن أترشح لرئاسة الجمهورية لأنّي كنت أخشى أن تحدق بالوطن وبمستقبله مخاطر حقيقية. كنت أشعر بواجب درء هذه المخاطر، وأعلم أنّ السبيل إلى ذلك هو وضعُ تونس في مأمن من شَرٍّ كان يتربص بها وأَخْذُها إلى مستقبل أفضل. إني لعلى إيمان بذلك، لأني أدرك تماما بأنّ خلاص تونس ممكن. يكفي أن نواصل بذل الجهد وأن نبقى على تعلّق بقيمنا الأساسية. علينا قبل كل شيء أن نحافظ على تموقعنا الجيوستراتيجي بشكل كامل باعتبارنا بلدا إفريقيا، متوسطيا، عربيا، مسلما، متجذّرا في المغرب الكبير، متشبّعا بقيم إنسانية نبيلة. التحدّي الأكبر الذي يواجهنا اليوم هو تجذير تونس بقوة في ما لا بعده رجعة أو انتكاسة، أكان ذلك على صعيد الديمقراطية والسياسة أو على مستوى الإقلاع الاقتصادي المنشود.

صحيح أنّ بلادنا اضطرت في السنوات الأخيرة إلى أن تخصص نصيبا لا يستهان به من مواردها المتواضعة لتمويل ميزانية القوات المسلحة وقوات الأمن. كنّا بين نارين، نار التنمية ونار الدفاع عن سيادتنا.. ولم يكن التوفيق بين الأمرين بالشيء الهين. ما يمكن تأكيده هو أننا بقينا منذ الاستقلال نستثمر في "المادة الشخمة" كما كان يسمّيها بورقيبة. والمادة الشخمة هي أثمن رأسمالنا.

ما هي الرسالة التي تودّون تبليغها للتونسيين؟

لقد ٲضعنا وقتا كثيرا في سعينا إلى أخذ تونس والتونسيين إلى القرن الحادي والعشرين. علينا جميعا أن نتدارك تماما هذا الوقت الذي فاتنا حتى لا نُفَوِّت على أنفسنا هذا الموعد الأخير المتاح لنا.

حديث أجراه التوفيق الحبيب

المقال بالفرنسية: Exclusif : A mi-mandat, Béji Caïd Essebsi parle de Marzouki, Chahed, Ghannouchi, Nidaa et de 2019...

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.