ولايـة نـابــل: حـــديقة في المتـوسّط لا يُستغلُّ إلاّ بعضـُـــها
ولاية نابل أو الوطن القبلي أو الرأس الطيب أو جزيرة أبو شريك قديما، هي ولاية تزخر بالخيرات وبتعدّد الموارد وتنوّعها. ورغم أنها تعتبر من بين الولايات المرفهة جزئيا إلا أنها ككل الجهات التونسية تعيش بعض النقائص، إذ يطمح سكانها إلى تنمية تطوّر حياتهم وتعالج بقايا الفقر في مناطقها الداخلية وفي أحيائها الفقيرة والمقدّر حسب إحصائيات 2016 بنسبة 17.8 %.كما يطمحون إلى مزيد التقليص من نسبة البطالة رغم أن نابل تحتل المرتبة الثالثة في سلّم ترتيب الجهات الأقل بطالة بعد كلّ من المنستير وصفاقس. ويأملون أيضا في أن تتمّ معالجة ظاهرة الهجرة الداخلية أو النزوح إلى الولاية.
هي شبه جزيرة داخل المتوسط يحيط البحر بسواحلها من ثلاثة جـوانب على امتداد 18 كلم فيغمرها بخيراته ويفتح لها باب السياحة الشاطئية واسعـا في حين تمتد في داخلها الأراضي الفلاحية الخصبة والمناطق الصناعية الواعدة. توصف ولاية نابل لدى زوارهـــا بالحديقــة الجميلة تزركشها المرتفعات والغابات والسهول والبساتين والزهور والشواطئ وتجمّعات المياه وتزينها 18 سبخة بجحافل الطيور المهاجرة التي تزورها سنويا. ويحرس هذه الحديقة الشاسعـــة أســد وشبله يتربعان قبالة الهوارية ويشكّلان جزيرتي زمبرة وزمبرته. وتزدان هذا اللوحة الطبيعية بمعالم أثرية جميلة أهمّها مدينة كركوان.
تم إحـــداث ولاية نــابل بتــاريخ 21 جوان 1956. وتبلـــغ مساحة الولاية 2840 كم² أي ما يعـــادل 1,8% من مســاحــة البلاد التونسية يسكنها 807 آلاف نسمة (تقديرات 2016) موزعين على 16 معتمديــــة و24 بلـــدية لكن 68% منهم يسكنون في الوسط البلدي. وتحتل الحمامات الصدارة من حيث عدد السكان بـ 100284 ساكنا تليها مدينة نابل بـ 74943 ساكنا ثم قربة بـ 70678 ساكنا وتعتبر حمام الغزاز الأقل سكانا بـ 16117 ساكنا (إحصائيات 2015). وتقدّر الكثافة السكانية بولاية نابل بـ279 نسمة بالكم² وهي تقريبا أربعة أضعاف الكثافة السكانية على المستوى الوطني (67 نسمة بالكم²).
للتاريخ بصمته
كان الوطن القبلي في إحدى حقب التاريخ يحتضن عاصمة البلاد وهي مدينة باشو التي لم يبق منها إلاّ مسجد يقول عنها أحد المؤرخين: «وأم إقليم جزيرة شريك منزل باشو. وهي مدينة كبيرة آهلة بها جامع، وحمامات، وثلاث رحاب، وأسواق عامرة. وبها قصر أحمد بن عيسى القائم على بني الأغلب». وكان للوطن القبلي لدى قرطاج أهمية استراتيجيّة دفاعيّة، وأهميّة اقتصادية وفلاحيّة.
أشار إليها المؤرّخون القدامى. وقد تعاقب على حكم الوطن القبلي منذ العصور الغابرة البونيون والرومان وفي التاريخ الإسلامي الدولة الحفصية والدولة الصنهاجية والدولة الأغلبية والأندلسيون وخلّفت لنا تلك الحضارات آثارا انسانية هامة في بوبوت (الحمّامات) ونيابوليس(نابل) وكركوان وعين طبرنق والهوارية وبرج قليبية واللمسات الأندلسية في سليمان ومقابر الأطرش ومنزل تميم ومرفأ صيد التن الروماني بسيدي داود... وتعتبر نابل المدينة موقعا تاريخيا مهما إذ تم تشييدها في العهد الإسلامي على أنقاض نيابوليس الرومانية التي كانت تتكون من معلمين أثريين يمثّل المعلم الأوّل منزلا رومانيّا يعرف بمنزل الحوريّات. ويمثل المعلم الثاني القريب من البحر مجمعا حرفيا لتمليح الأسماك وتصبيرها،إضافة إلى المقابر البونية المشهورة بها نيابوليس.
أما المدينة الثانية في الجهة فهي الحمامات وقد كانت الحمامات العتيقة تدعى في سالف العصور بوبوت.يعود تشييدها إلى العصر الروماني وكانت مجرّد قرية تابعة لمدينة سياغو أي بئر بورقبة العتيقة وبها عديد الحمامات التي لا تزال أحواضها وأفرانها محفوظة في بعض الحفريّات.ولعل ذلك سبب تسميتها بالحمامات. وعرفت المدينة نقلة نوعية في مجال السياحة في عهد الاستقلال بعد أن كــانت حتى عشية عهد الاستعمار قرية صغيرة لا يتعدى نشاط أهلها الصيد التقليدي وغراسة القوارص ولا تتجاوز مساحتها مساحة المدينة العتيقة الحالية.
بنية أساسية متطوّرة
بحكم موقعها الجغرافي تتميّز ولاية نابل بـبنية تحتية ثرية داخلية ومحيطة بها.فهي لا تبعد على مطاري تونس قرطاج الدولي والنفيضة الحمامات الدولي أكثر من 60 كلم وكذلك الأمر بالنسبة لميناءي رادس وحلق الوادي وتربطها بالعاصمة الطريق السيارة تونس ـ الحمامات وخط السكة الحديدية. وتضم الولاية 4 مواني للصيد البحري من أهمها ميناء قليبية الذي يصنّف من أكبر مواني الصيد البحري في الولاية، وميناء بني خيار، وميناء سيدي داود وميناء الهوارية، ويتكون أسطول الصيد من 560 مركب صيد. أما مواني الصيد الساحلي وبالأضواء فهي 3 (سيدي داود، بني خيار والهوارية)، وبالولاية 57 بحيرة جبلية قادرة على استيعاب 4472 متــرا مكعّبا من الماء إضافة إلى 40 سدّا وسدّا جبليّا تستوعب 82200 متر مكعب من الماء وهي تخزن 33439 مترا مكعبا.
وتحتوي الولاية على محاضن مؤسسات بكل من نابل وبرج السدرية وعلى مناطق صناعية مندمجة بـقرمبالية وبوعرقوب وتازركة وسليمان وقليبية، بالاضافة إلى مناطق صناعية جديدة بكل من بني خلاد وتاكلسة وبوعرقوب.وتبلغ مساحة المناطق الصناعية حوالي 215 هكتارا مهيأة و200 هكتار إما في طور الإنجاز أو مبرمجة .كما توجد بالولاية محطة للطاقة الهوائية بالهوارية تنتج الطاقة النظيفة من الريح بطاقة 53.5 ميقا وات. ويمثل القطب التكنولوجي ببرج السدرية مركز بحث مهمّ يعمل على تحسين الإنتـــاجية خــاصة في مجــالات الطاقة والمياه والبيوتكنولوجيا والبيئة، إضافة إلى المؤسســات الجامعية ومخابر للبحث العلمي المتعددة بالولاية إذ توجد بالجهة 9 مؤسسات تعليم عال يؤمها حــوالي 10200 طالب وطالبة. أما المؤسسات المدرسية فعددها 339 مؤسسة يؤمها 138454 تلميذا وتلميذة. وتعتبر نسبة الأمية في الولاية (15.6% في إحصائيات 2014) أقلّ من المعدل العام للبلاد الذي يبلغ 19.3%.
وفي المجال الصحي يوجد بالولاية 11 مستشفى جهويّا و8 مستشفيات محلية و113 مركز صحة أساسية، و5 مصحات طبية خاصة. ومع أن نسبة البطالة في الولاية تقدر بـ 10.3 % (أقل من المعدل الوطني) فالملاحظ تفاوت في نسبة المشتغلين حسب القطاع. ففي الفلاحة ينشط 15.9 % منهم وفي الصناعة المعملية 26.3% وفي الصنــاعة غير المعمليــة 12.8% وفي الخدمات 44.9%.
في الولايـــة 15 مركــز تكوين مهني في مجالات مختلفة كالصيانة والبناء والآلية العامة والحرف الفنية والجلود والأحذية والسياحة والفلاحة والبحرية بطاقة استيعاب تقــدر بحوالي 5000 متكون. وبالولاية 22 دار شباب و7 نواد للشباب الريفي و155 ناديا للأطفال و95 جمعية رياضية تؤطر 11246 شابا و8 دور ثقافة و25 مكتبة عمومية . وتبلغ نسبة التطهير في الولاية 87%.
القطب السياحي الأوّل في تونس
ولاية نابل هي القطب السياحي الأول في تونس. إذ تضم حوالي 150 فندقا بطاقة استيعاب تصـــل إلى حــوالي 50 ألف سرير وهــو مــا يساوي ربع طاقة الاستيعاب السياحية في تونس. ويتركز النشاط السياحــي حــول ثلاث مناطق، الحمــامات/نــابل (117 نزلا)، وياسمين الحمامات (17 نزلا) وقربـــص/ سليمان (7 نزل) في انتظار انضمام قليبية بمنتجعها قليبية البيضاء الذي يضم 3 فنادق إضافة إلى 32 إقامة سياحية و4 قرى سياحية وعدّة دور ضيافة. وتتوزع الفنادق بين كل الأصناف لكن يغلب عليها صنف 3 نجوم (45 فندقا تقريبا) وصنف 4 نجوم (29 فندقا تقريبا) وتتوزع أغلبية هذه الفنادق على مدينتي نابل والحمامات، وفي مرتبة أقل مدينة قربص بمرتفعاتها وعيونها.
وتتوفر في الولاية أنواع السياحة المختلفة كالسياحة الشاطئية (على كامل الساحل) والسياحة الثقافية والبيئية (كركوان والهوارية وزمبرة ودور الضيافة الريفية التي تثمن الموارد الطبيعية والثقافية) وسيــاحة العلاج بميـــاه البحـر (8 محطات، ممّا أهّل تونس لتصبح الوجهة الثانية في العالم) وسياحة العلاج بالمياه المعدنية (محطة قربص) والسياحة الرياضية وخاصة ممارسة رياضة كرة الصولجان (ملعبان) وسياحة المؤتمرات والترفيه البحري (الميناء الترفيهي بياسمين الحمامات). ويشغّل القطاع السياحي حوالي 100 ألف من اليد العاملة المباشرة وغير المباشرة.
أمــا الصنــاعات التقليـــدية فتنشط في مجـــالات النسيــج والإكساء والجلود والأحذية والخشـــب والنباتات والطين والحجارة والبلور والخــزف والحصير والتطريز والحرف المختلفة. وتتكفّــل بذلك 5104 مؤسسة (2015) من بينها 1423 في الطين والحجارة و973 في الإكساء والملابس التقليـــدية .وتتصدر الولاية المرتبة الأولى الوطنيـة في الصنـــاعات التقليدية.
15 % من الإنتاج الفلاحي الوطني
وهب اللّه ولاية نابل 185 ألف هكتار من الأراضي الزراعية منها 49208 هك مناطق سقوية يستغل منها 28305 هك فقط وما يزيد عن 61 ألف من الغابات والمراعي ومساحة 323 هكتارا مخصّصة للفلاحة البيولوجية. وبهذا أصبحت الولاية تحتل مكانة هامة في الإنتاج الفلاحي التونسي باعتبارها تساهم بـ15% من الإنتاج الفلاحي الوطني باستغلال مساحة صالحة للزراعة تقدر بـ 4% من المساحة الصالحة للزراعة على مستوى وطني. كما يساهم قطاع الكروم مساهمة هامة في الإنتاج الوطني (حوالي 70% بالنسبة لكروم التحويل و 25 % بالنسبة لعنب المائدة). والولاية هي أيضا أكبـــر منتج للقوارص في البلاد. وأنتجت نابــل سنة 2015 ما قدره 95961 طنّا من الحبوب و261333 طنّ من الأعلاف و47300 طنّ من البقول الخضراء والجافة و844960 طنّا من الخضراوات و438092 طنّا من الثمار وخاصة القوارص بأنواعها. ويربّي الفلاحون في الجهة ما يزيد عن 240 ألف رأس من الأبقار والأغنام والماعز والإبل، إضافة إلى أن الجهة تنتج اللحوم الحمـــراء والبيضــــاء والألبان بمشتقاتها وبكميات هامة. ويقسّم المختصون الوطن القبلي إلى ثلاث مناطق فلاحية أولها سهل قرمبالية وهي منطقة الأشجار المثمرة وانتاج العنب والقوارص وإنتاج الزهر (منزل بوزلفة وبني خلاد) وزراعة الخضر (سليمان).
أما مناطق الساحل الشرقي من الهوارية وقليبية إلى قربة والحمـامات فتختـــص بزراعة الخضر والتوابل والفراولة والكروم وبعض القوارص وتنتشر في منطقة الدخلة تربية الحيوانات وزراعـــة الحبوب. ويعتبر قطاع تربية الماشية قطاعا هاما بولاية نابل وهو يمارس بطريقة مكثّفة. ونظرا لتميّز الولاية ببعض المنتوجات كالطماطم والفلفل والقوارص والتوابل والكروم والفراولو فقد أصبحت مركزا أساسيا لتطوير الصناعات الغذائية الفلاحية وتصدير عـــديد المنتــوجات كالقوارص والأسمـــاك والفراولة وزيــت الزيتـون والطماطم المركزة والبطاطا والتوابل.
1700 طن من الأسماك
ينتج قطاع الصيد البحري حوالي 17000 طن من الأسماك ويشغّل 3444 شخصا بمواني قليبية وبني خيار وسيدي داود والهوارية خاصة. وفي مجال تربيية الأحياء المائية تم بعث خمسة مشاريع لتربية الأسماك بالبحر منذ سنة 2009، ويشمل إنتاج الصيد البحري من الأحياء المائية نوعين من الأسماك وهي القاروص والوراطة أو الورقة و قد بلغت الكميات المنتجــــة مـــن غـــرة جـــانفي إلى 31 ديسمبر2015 حوالي 1385 طنا مقارنة بـ 844 طنا خلال نفس الفترة من سنة 2014. ويحتوي خليج الحمامات على مخزون هام من السمك الأزرق يتــمّ تحويله عبر 11 مصنعا.
نسيج صناعي متنوّع
تحتضن ولاية نابل ما يقارب 700 مؤسسة صناعية أغلبها في الصناعات الخفيفة (تشغّل 10 عملة وأكثر) وتمثل 12.6 % من النسيج الصناعي الوطني وتوفّر حوالي 70 ألف موطن شغل أي 14.1% من اليد العاملة الصناعية على المستوى الوطني.
ويتميز النسيج الصناعي بالجهة بالتنوع حيث يشمل جلّ الأنشطة الصناعية، ويحتلّ قـــطاع صنـــاعة النســـيج والجلود والأحذية المرتبة الأولى إذ تنشط في القطاع 212 مؤسسة أي 41.1% من مجموع مؤسسات الولاية، يليه قطاعا الصناعات الميكانيكية والكهربائية بنسبة 18.9% والصناعات الفلاحية والغذائية بـ 124 مؤسسة أي بنسبة 18.4% من مجموع مؤسسات الولاية.كما توجد 434 مؤسسة مصدّرة، من بين هذه المؤسسات 63.8 % تعمل في مجال صناعة النسيج والجلود والأحذية و18.7% في مجال الصناعات الميكانيكية والكهـربائيـة و8.5% في مجال الصناعات الفلاحية والغذائية، إضافة إلى المؤسسات التي تصدّر الخزف ومكوّنات الكوابل وهي تساهم بحوالي 10% من مجموع الصادرات التونسية. وتنشط في الولاية حوالي 15% من العدد الجملي للمؤسسات الأجنبية بتونس (500 مؤسسة أجنبية أو ذات مساهمة أجنبية) تشغّل قرابة 52 ألف عامل وعاملة.
حياة ثقافية نشيطة
تتميّز ولاية نابل مثل عديد الولايات التونسية بالمناطق الأثرية والفضاءات الثقافية وبالخصائص المعمارية الفريدة والعادات العريقة والمهرجانات التي تستهوي الزائر والمقيم مثل هواة الصيد بالساف الذين يحضرون مهرجان الساف بالهوارية الذي يجري سنويا بحضور عشرات المولعين بهذه الرياضة النبيلة ومهرجان العنب بقرمبالية ومهرجان الزهر بنابل والمهرجان الوطني للحصير بنابل والمهرجان الـــدولي للسينمائيين الهواة بقليبية والمهرجـــان الصيفـــي لمدينة الحمامات بالمركز الثقافي الدولي بالحمامات. أمّا المعالم التاريخية والأثرية فنذكر منها نيابوليس (نابل) والمقابر الرومانية (قربة) والموقع الأثري الروماني (قليبية) والمقاطع الرومانية (الهوارية) وموقع عين طبرنق (قرنبالية) والبــرج الأثري بوبوت (الحمامات) وموقع كركوان ووادي القصب (حمام الغزاز).
خـــالـــد الشّــابــــي
- اكتب تعليق
- تعليق