أخبار - 2017.05.19

محمد الطالبي...في كلمات

 محمد الطالبي...في كلمات

نكتب هذه الكلمات عن محمد الطالبي بعد رحيله عنّا ونحن نعتقد عن يقين أنها كلمات لن تفي بحقه لضيق العبارة عن أن تستوعب ما تميّزت به شخصيته من ثـــراء ولعجزها عن سبر أغــــوار تلك الشخصية واستكناه ما في أبعادها من عمق. نكتبها عن رجل كان مثالا للجدّ والكدّ والمثابرة .نذر حياته للمعرفة وكرّسها للعلم والقلم منذ أن تخرّج من المعهد الصادقي ثمّ من جامعة السوربون ليعود إلى وطنه مساهما في تربية الأجيال وفي تأسيس أوّل جامعة عصرية في تاريخ البلاد.

قد عرفناه على مدارج كلية الآداب والعلـــــوم الإنسانية وجلسنا إليه فيها فوجدنا فيه العـــالم الذي ننهــل من علمه ونتزوّد منه بدون حساب والمدرّس الذي يدلي إليك بالرأي الســديد بعد نقده وتقليبه على شتّى وجوهه وصياغته في اللفظ الدقيق ذي المعنى العميق . وكان من المدرّسين القلائل القادرين على تقديم درس جامعي بالمعنى الدقيق والاصطلاحي للكلمة في شموله وعمقه وبلاغته ومنهجه ونظامه ولم يكن ذلك بالغريب على من يدرك مدى تضلّعه في اللغتين العربية والفرنسية لغة وأدبا وفكرا تعريبا وترجمة، ناهيك أن باكورة أعماله قد كرّسها لدراسة كتاب « المخصّص» في اللغة لابن سيده وأنجزها بكفاءة المبرّز في اللغة والآداب العربية.

وعندما خاض غمار التدريس بالجامعة خلال الستينات من القرن الماضي تفرّد وهو عميد للكلية بمحاضراته التي ألقاها على طلبة سنة التخرّج بالكليّة حول لزوميات أبي العلاء المعرّي فكانت دروسا قد تردّد صداها عبر الأجيال لما تضمّنته من مقدرة فائقة على تحليل آراء أبي العلاء وتجربته الوجودية ولما اشتملت عليه من إضافات هامّة إلى كلّ ما كتب حـــول ذلك الأديب المتفلسف. وإنّي لأذكـــر كم لاقيته من مرّة بعد أن تقلّد العمادة ورأيته مارّا باروقة الكلية ميمّمــــا مكتبه وبيمينه قارورة الشاي وبشماله ديــــوان اللزوميـــات ليقضي بينهما الساعات الطوال لا يقطعها إلا ليستقبلني وزملائي بوجه باشّ ودعــابة خفيفـــة ولطف لا مزيد عليه وبحنوّ الأب على أبنائه.

وكان الطالبي رجلا لا تستهويه المناصب الإدارية ولا يغريه بهرجها ولعلّه قد تقلّد منها ما تقلّد مكرها . وكم كان يشعر بالراحة كلّما تخلّى عنها أو تخلّت عنه ويحسّ في كل الحالات أنّ عبءا ثقيلا قد انزاح عن كاهله. فكأنّما كان يخشى أن تختطفه تلكم المهام من ساحة العلم والمعرفة وتزجّ به في عالم المصالح المتغيّرة والفانية وتنقله من عالم الهدوء والتأمل إلى عالم الصّخب والضّوضاء. وقد لوحظ ذلك عليه سواء عند تقلّده عمادة كلية الآداب أو رئاسة اللجنة الثقافية القومية أو رئاسة بيت الحكمة. ومع ذلك قد كان في كل ما تقلّده متحمّلا للمسؤولية نظيف السّريرة واليد والجيب، وفيّا لمبادئه حريصا على استقلالية قراره نزيها في مواقفه غيورا على حريته في التّفكير والتّعبير وعلى الاستقامة في الرّأي والتّدبير .

المؤرّخ والمفكّر

والدكتور الطالبي من كبار علماء التاريخ اختصّ فيه بأطروحته الرائدة في بابها وزمانها حول «الإمارة الأغلبيّة» وتميزّ فيه بالرأي الحصيف وعمق النظر وسعة الاطّلاع ودقّة التّوثيق في إطار منهج تاريخي قويـــم يعيد بناء الماضي بتدبّر وعقلانية مع قدرة فائقة على تفسير الظواهر وتعليلها واستخلاص العبر منها. ولم يكتف في كل ذلك بدراســـة التاريخ السياسي لدول إفريقية بل فتح الباب للنظر في التاريخ الاجتماعي والاقتصادي والثقافي لبلاد المغرب، فضلا عن اهتمامه بالتاريخ الإسلامي بمختلف أحقابه بشكل عام.

وقد تبوّأت دراساته حول العلاّمة ابن خلدون مكانة مرموقة بين الدّراسات والبحــوث التي اهتمّت بتلك الشخصية المؤسّسة لعلم التاريخ وعلم الاجتماع ولغيرهما من العلوم المتفرّعة عـــن «العمــران البشري». وأفضى به إهتمامه بابن خلـــدون إلى مناقشة مختلف النّظريات التي وضعها علماء التّاريخ حول نشاة الدول وانهيارها وحول مفهوم التقدم. وقد شكّلت إهتماماته تلك مدخلا إلى حقل آخر من حقول التاريخ وهو تاريخ الأفكار فإذا بنا ننتقل معه من الطالبي المؤرّخ إلى الطالبي المفكّر وكانت أفضل فضاءات التفكير وأقرب مجالاته إليه بعد تعمّقه في حضارة الإسلام هو الفكر الإسلامي والفكر الديني بشكل أشمل . وكان من أوائل اهتماماته في هذا المجال النّظر المتعمّق في المدوّنات الفقهيّة وخصوصا في المدوّنتين المالكية والشافعية. كما انكبّ على تفحّص مدوّنات التفسير القــرآني والحديث النبوي فأضحى بكل ذلك راسخ القدم في المعرفة الدينية بعد رسوخه في المعرفة التاريخية علاوة على اطلاعه الواسع على تـــاريخ الأديان وقد أهّله ذلك التبحّر في العلم لأن يتدبّر الأوضاع الفكرية والثقافية للإســـلام والمسلمين قديما وحديثا وأن يضطلع بمعالجة القضايا المطروحة على الســـاحة الإســـلامية من منظور نقدي يستلهم من الماضي ويتدبّر الحاضر ويستشرف آفاق المستقبل.

المحاور للمسيحيّة

والرجل من روّاد الحوار الإسلامي المسيحي أرسى أسسه وسوّى مناهجه وضرب فيه بسهم نافذ وأبلى فيه البلاء الحسن وكان منذ البدايات متوجّسا ومتورّعا من أن تكــون لذلك الحوار غاية دعـوية فليست الغاية منـــه أن ينقلب المسلم مسيحيّا ولا المسيحي مسلما وإنما أن يدلي و يحتفظ كلّ طرف بشهادته على الغيب وأن يقام البناء على المشترك ويكون التّنافس في «استباق الخيرات» ومعالجة قضايا المجتمعات البشرية وتوخّي وسائل النّهوض بها من أجل سعادة الإنسانية جمعاء والتي هي في إيمانه الرّاسخ «عيال الله».

لكنه فوجئ بكل أسى وحسرة بأنّ ذلك الحوار قد حاد عن مساره الحقيقي وبأنّ غايته الخفيّة قد كانت تبشيرية وبأنّ مخاطبيـــه يراودونه على أن يكون من المؤلفة قلوبهم. فما كان منه إلا أن قاطع ذلك الحـــوار وخــرج منه بنفس أبيّة رافضا التّضحية بحريتـــه الدينية ومعلنا أنّ دينه هـو الحرية. وكم عانى الرجل من تلك التجربــة القاسية التي جلبــت له التّهــم من الداخل والخارج إذ اعتبر من قبل هؤلاء متذيّلا للكنيسة واعتبره أولئك متنكّرا لمواثيق التّضامن والوفاء.

وشاءت الأقدار أن تكشف الكنيسة المسيحيّة فيما تلا من الزّمان عن نواياها الحقيقية بكيل التهم للإسلام ولرسوله عليه السّلام ومن أشهرها مقالة البابا بونوا السادس عشر التي وصف فيها الدّين الحنيف بأبشع الأوصاف في فترة اعتبر فيها الغرب الإسلام «محور الشرّ» وممّا قاله في ذلك «أنّ محمّدا لم يقدّم للعالم إلا أشياء سيئة ولا إنسانية» فكان الطالبي هو الوحيد الذي تصدّى له ورد على مقالته بكتابه «تجديد الفكر الإسلامي- إلى بونوا السادس عشر» في غفلة من جميع المسلمين. وقد دافع عن الإسلام في هذا الكتاب دفاعا مستميتا ومؤسّسا على براهين دامغة كما وجّه سهام نقده إلى المسيحية مبرزا ما يتنافى من عقائدها مع العقل ومقارنا بينها وبين العقيدة الإسلامية. ولعلّنا لا نجد في الثقافة الإسلامية الحديثة والمعاصرة من الرّدود على المسيحية ما يضاهي ما كتبه الدكتور الطالبي قيمـة مستثنين بذلك مـــا ألّفه جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده مع شيء غير قليل من التّسامح. وقد قلت له يوما بعد قراءتي لهذا الكتاب وإعجابي بما تضمّنه من ردود مفحمة: «أنت الوحيد الذي قام بواجب الردّ في هذه الظّروف فأين بقية المسلمين؟» فأجابني بنبرة ساخرة: «إنّهم منشغلون بالجهاد» في إشارة إلى ما تشهده الساحة الإسلامية من عنف باسم الثّورة.

ولم تنقض تلك السّنة التي أصدر فيها الكتاب أي سنــــة 2011 حتّى أصـــدر كتابا آخر حول «تاريخ المسيح» بيّن فيه باعتماد العديد من الوثائق تهافت ذلك التّاريخ وما طرأ عليه من اشتباه وما داخله من زيف وأوضح بحجج غير قابلة للنّقض والتّفنيد وجود شخصيتين باسم المسيح إحداهما مزيفة ومغشوشة وهي التي تتبنّاها المسيحية منذ ظهورها والثانية تعمّد الحواريون طمسها وهـــي التي تمثّــــل المسيح الحقيقي. وخرج من تلكم الملحمة النقدية الرائعة بالدليل القاطع على معرفته الواسعة بتاريخ الديانة المسيحية وبنصوصها المؤسّسة وعلى صدقيّة الوحي القــــرآني فيمـــا يتعلّق بالمسيح.

المصحّح للمسار

وألّف الرجل «ليطمئنّ قلبي» تصحيحا لما رآه زيغا عن سواء السّبيل وما اعتبره تستّرا وراء الانتماء الثقافي للإسلام لدكّ أركانه واجتثاث أصوله والطّعن والتّشكيك في المصدر الإلهي للقرآن باسم المنهج النّقــــدي للفكر الديني وبعنوان تجديد الفكر الإسلامي . ولم يكن واقع الأمر في نظره كذلك بل هو وفق العبارة القرآنية «انسلاخ» عن الإسلام بشكل خفيّ وغير معلن. فمن لا يؤمن بالمصدر الإلهي للقرآن وبالوحي الإلهي لايمكن أن يكون إلا منسلخا عن الإسلام وإن لم يصرّح بذلك علنا. وهو لا يعتبر موقفه من أصحاب هذا الاتّجاه تكفيرا لهم بدليل أنّ كتابه لم يتضمّن كلمة كفر من بدايته إلى نهايته لأنّ لمبدإ التّكفير في الشريعة الإسلامية أحكامه وتداعياته التي لم يكن يتبنّاها بل كان من أشدّ الرافضين والمقاومين لها لأنه قد عانى هو الآخر من ويلاتها ولإنّه يؤمن إيمانا راسخا بحرية المعتقد ويرفض التعصّب الدّيني بكل أشكاله. فهو يعترف لمن اعتبرهم «انسلاخيين» بحقّهم في تلك الحريّة ويعبّر عن احترامه لهم وعن استعداده للدفاع عنهم وعن حقّهم في حرية الاعتقاد ضدّ كلّ من يمسّهم بسوء وضدّ كل متطاول عليهم باسم التكفير. وأقصى ما يلومهم عليه ويؤاخذهم به هو مغالطتهم للرأي العام الإسلامي وافتقادهم الشجاعة والجرأة للتصريح بآرائهم ومواقفهم وللصدق في التواصل مع مخاطبيهم . وهو اذ قال ما قال عنهم فليس من باب التّحامل عليهم وإنّما لإرجاع الحقّ إلى نصابه ولتسمية الأمور باسمائها إرشادا للرأي العام وحماية له من التّضليل وهــــو واجب يبتغي براءة ذمّته إزاءه وإلا فما ضرّ على حدّ قوله إن انضمّت فرقة أخرى في هذا العصر إلى مختلف الفرق التي ظهرت في الإسلام ولكن شريطة أن تعلن مثلها عن حقيقة موقفها.

المفكّر المجدّد

ورأينــاه في المقـــابل يرفــع راية تجديد الفكر الإسلامي ويعلن عن ضــرورته ويشــرح النّهج الملائم للتعاطي معه. فالتّجديد في ذلك الفكر لا يكون إسلاميا بحقّ إلاّ إذا كان نابعا من صلب الإسلام ذاته ومن داخله بتحيين القراءة لنصوصه التأسيسية وبالتخلّي عن قراءة الأموات وابتكار قراءة للأحياء قادرة على معالجة قضايا العصر ومواكبة مسار الزمن المتغيّر. فالتجديد لا يكون إذن إلّا من داخل تلك المنظومة بالتبنّي لثوابتها والنّظر في متغيّراتها وفق ما يسمح به أفق التّأويل والقراءة وحسب ما يتيحه التّفاعل مع المستجدّات العلمية والثقافية والحضارية على صعيد الحاضر والمستقبل.

فلا يكون التّجـــديد عنده من خــــارج تلك المنظومة بإسقاط فكر الأنوار عليها من الخارج إسقاطا أو بتطويعها لمرجعيّات غريبة عنها وإلزامها بمقولات لا تتماشى معها وتفضي بها إلى الاندراج في تبعيّة تفقدها جوهر خصوصيّتها وتزجّ بها في تجربة أخرى من التقليد تؤدّي بها في النهاية إلى التفكّك والتداعي. فللرجل حساسيّة مفرطة ضدّ التّقليد وطموح مستمرّ إلى الابتكار والتّجديد ولذلك جنّد قلمه أيضا لمحاربة الفكر السلفي الذي يقدّس الماضي دون رويّة وتدبّر ويحكم بالتوقّف على حركة العقل وسيرورة الزّمن ويتشبّث بمقولات مضى عهدها وبمؤسّسات عفى عليها الدّهر. فلا مجال في اعتقاده لإحياء ثقافة دينية صاغتها الأجيال الغابرة لأنّنا بذلك نكون قد وضعنا عائقا جسيما دون التطوّر والتقدّم. فلا غرو والحالة تلك أن يتعرّض صاحبنا للتّكفير من قبل التيّار السّلفي تماما مثلما اتّهمه التيّار الحداثي بممارسة التّكفير لما اتّخذه إزاءه من مواقف.

وللرجل طريق ثالث فهو ليس من هؤلاء ولا من أولئك وقد أوضح لنا معالم ذلك الطّريق ومهّد سبله بعرض نقدي للنّصوص الدينية فإذا هو يصنّفها إلى ثلاثة : النصّ القرآني ونصّ الحديث النبوي والنصّ المفسّر وهو يعتبر النصّ المفســّر شاملا لما انتجه الفكر الديني الإسلامي القديم من تفسير وعلوم قرآن وأصول وفقه وكلام وتصوّف وهي في نظره من التّراث الدّيني الذي يتعيّن نقده وتجاوزه لإرســاء فكــر ديني جديد يتناول القضايا الراهنة والمعاصرة ويقترح الحلول المناسبة للعصر فهو بهذا الاعتبار لم يعد ملزما لنا وبالأخصّ منه الشّريعة التي ينبغي التخلّي عن تقديسها ويتعيّن إلغاؤها لأنّها عمل بشري قد تجاوزه الزّمن منذ قرون ولأنّها كانت في رأيه سببا في عرقلة نموّ الفكر وفي إعاقة المجتمعات الإسلامية عن التطوّر.

كما اعتبر نصّ الحديث النبوي مفتقرا للثّبوت التاريخي لتأخّر تدوينه عـــن عصـــر الدّعوة بقرنين على الأقلّ ولعدم نجـاعة علم الجرح والتّعديل الذي اعتمده القدماء واكتفوا فيه بمسألة السّند في الـــرّواية دون تدبّر متونه التي اشتملت على المؤتلف والمختلف، فضلا عن ظاهرة وضع الحديث لأسباب حضارية متنوّعة ولهذه الأسباب ولغيرها اعتبر المدوّنة الحديثية غير ملزمة باستثناء ما تطابق أو لم يتعارض منها مع القرآن. وأمّا النصّ  القرآني فهو النصّ الملزم للمسلم بامتياز وتتعيّن على الأجيال المعاصرة العودة إليه لتدبّره وتجديد قراءته بعقلانيّة وعلى ضوء علوم العصر والمستجدّات الحضارية.

ومن شروط تلك القراءة في نظره أن تكون بفكر متحرّر وأن تستحضر العلاقة الخفيّة بين ما جاء به القرآن وما جاء من أجله وتستدعي المقاصد التي يرمي إليها الخطاب القرآني وهـــو ما عبّر عنه بالقراءة السهميّة للقرآن. وقد كشــف له ذلك المنهج في القراءة جملة من الحقائق التي جعلها عمدته في إصلاح الفكــر الديني ومن أهمّها حرية المعتقد والمساواة بين الجنسين والتّسامح وقبول الآخر فضلا عن الحريات الشخصية والعامة فأعلـــن أنّ الإســـلام دين عقلاني وعلمـــاني يرى فصل الدّين عن الدّولة ولا يتعارض مع الديمقراطية وحقوق الإنسان وقد حــــدا به ذلك التوجّه الإصلاحي إلى أن يؤسّس بعد الثورة «الجمعية الدولية للمسلمين القرآنيين» وأن يدرج تلك الآراء والمواقف ضمن قانونها الأساسي.

المناضل السياسي

وللطالبي أيضـــــا إلى جــــانب نضاله الفكري والثقافي  نضال سياسي طوال العقدين الأخيرين من عمــره وقــد جعل منه التفاعل بين هذين النوعين من النّضـــال معارضا شرسا للاستبداد المتمثّل في النّظام القائم. ولم يكــــن الرّجـــل متخفّيا بنضاله ضدّ ذلك النظام بـــل كان من أكثر المعارضين مجاهرة به ونبذا للموالين له وقدحا في رموزه. وكان يتحدّى بعض المتستّرين بنضالهم في المجالس الخاصّة والمنزوين به في النّوادي والفنــــادق بأن ينـــزلوا إلى الشـّـارع ويتظاهــروا في الطّريق العام محفّزا لهم بأنّه سيكون أوّل النّازلين والمتظاهرين.

وكـــان في كــلّ ذلك مســــاهما بلســانه وقلمـــه ومنخــرطا في هيئات الدّفــاع عــن حقوق الإنسان وفي لجان الدفاع عن الحقوق والحريات وتعرّض إلى المساءلة والعنف أكثر من مرة رغم تقدّمه في السنّ. وقد ألّف كتابه «أسلاك وديمقراطية» تدوينا لما اقترفه الاستبداد من فظائع وتشهيرا بما مارســـه من اعتقــالات وتعذيب ودوس للحقوق وخنق للحريات. ذلك هـــو محمـد الطالبي في كلمـــات قـــد لا تفي بحقّه ولا تستوعب مـآثره لأنّها بالقيـــاس إلى حياته الحافلة بالعطاء وخصاله الموسومة بالسّخاء أقلّ من القليل وقطرة من وابل وغيض من فيض.

توفيق بن عامر

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.