يوميّـات‭ ‬مواطن‭ ‬عيـــّاش إلّـي‭ ‬قــراوْ‭ ... ‬مَـاتُــوا

يوميّـات‭ ‬مواطن‭ ‬عيـــّاش إلّـي‭ ‬قــراوْ‭  ... ‬مَـاتُــوا

كنت فاجأني اليوم صديقي العياش، بحكايات ما توقعتهاش، وذلك عندما جلسنا حول قهوة الصباح، ترافقنا شيشة تفّاح، وهي أوّل ما يبدأ به صاحبي النّهار، رغم أنّه يعلم ما لهذه العادة السّيّئة من مضار. بدا لي العياش على غير عادته، وقد تخّلى فجأة عن ضماره ونكتته، فقلت له: «ما بالك يا عيّاش؟ وجهك مثل بوكشّاش، لي يصبّح عليك اليوم، يطلع نهارو حموم»، فقال: « ومن أين ستــأتي، يا صديقي، الابتسامة، وأولادي كافرين بالقراية والعلامة: واحد بعد ما قرا قعد بطال، والثاني ما عاجبو في القراية حال، والطفلة الصغيرة كيف برشة بنات وأولاد، تخمّم من توّه في هجّة م البلاد، وذلك عندها أحلى الأحلام، منذ أن كانت في قسم السيزيام». ولما طلبت من العياش التفاصيل، مشترطا عليه ألا يطيل، استوى في جلسته، وجبد جبدة من شيشته، خلت معها أن الصاري سيطير، أو أن صدره على إثرها لن يكون قادرا على الزفير. وبعد أن نفث في وجهي عجاجة من الدخان، قطعت نفسي لبضع ثوان، تكلم أخيرا صديقي، وأنا غاص بريقي، قال: «كانك م الولد الكبير لي عندي، قرا قرا قرا كيف ما قال لمين النهدي، وأهوكة لتوه من غير عمل، وقد انغلقت عليه أبواب الأمل». ولما سألت العياش إن كان ابنه قد حاول البحث بجدية عن عمل، أجابني «إنه حاول الكثير، قبل أن يصدم بكلام وزير ، قال إن وزارة التشغيل ليس من مهامها التشغيل ، ثم اقترح على أصحاب الشهادات الجامعية العمل في غابات الزيتون والنخيل. وقد زاد على ما بيه، ما اقترحه رئيس حكومة نبيه، عندما بشر بتوريد عربات التكتك الآسيوية، لحل مشاكل البطّالة من حاملي الشهادات الجامعيةومنذ ذلك الحين فقد ابني الثقة في الجهات الحكومية، حتى وإن تقدمت بمشاريع تبدو جدية. ومع ذلك فإنه لم يترك مناظرة إلا ودخلها، ولا شركة إلا وراسلهالكن لا تنس أن وخيّك العياش ليس له مال ولا أكتاف، والدنيا هاذي ذراعـــك يا علاّف، ومن لا مال ولا أكتاف له، فالويل، الويل له !».

قلت: «وماذا عن ابنك الثاني؟ ومن أي مشكلة مع التعليم يعاني؟». قال العياش: «يا سيدي، ولدي الثاني كيف شاف خوه بطال رغم شهاداتو، ولّى يقلي: يا بابا، إلي قراو ماتو، وانا نحب الحياة، ولا تهمني باك ولا شهاداتوعلى كل حال تقرا ولا ما تقراش، المستقبل ما ثماش!».

وعبثا حاولت إقناعه بأن لي ما قراوش ماتوا زادة، الله يرحمهم، لكنهم ماتوا جهلى ولا واحد عبّرهم. فيجيبني ساخرا: «لا، يا بابا، لي قراو ماتوا م التعب، ومما أراهم التعليم من عجب: برامج ثقيلة، وامتحانات طويلة، ومدارس حالتها حليلة، وعام دراسي منقوب كيف جبن «القرويار»، وإلا كيف قصة قماش كلاها الفار: شوية م «القرافات» وشوية م العطل، وطلعت القراية كي الحنة في ساق البغل».

قال العياش :«ويعود ابني هذا في أحيان أخرى ليقنعني بأن عصر اليوم هو عصر البزناسة، وليس عصر القلم والكراسة، وأنه إذا انقطع عن الدراسة،  سوف يوفّر علي فلوس الدروس الخصوصية، ويمكن بفضل المال الموفّر بهذه الكيفية، فتح مشروع صغير ، يفتح به جناحيه ثم  يطير». وهنا قاطعت صديقي العياش: «ياخي موش منعوا الدروس الخصوصية؟»، فأجابني مبتسما: «صحيح هي ممنوعة في الأوراق الرسمية، ولكنها مستمرة في الواقع على شكل يشبه شكل الجمعيات السرية، كل شي تحت حس مس، وإذا لزم عساسة تعسواسألني أنا عن الدروس الخصوصية ، فقد خرّبت لي الميزانية، وجعلتني مثل سائق ابني الخاص، أنقله من حي إلى حي، ومن فيلا إلى بالاص، ليتلقّى المزيد، من كل علم مفيد، بين مواد علمية وأدبية، ولا أستثني من ذلك التربية البدنية، ليعدّ ابني «الباكسبور» بأحسن كيفية».

ويضيف العياش بعد جبدة من الشيشة عميقة، يتبعها صوت تبقبيقة: «ولعلني في النهاية، سأوافقه على قصان القراية، لعل ذلك يكون، كما يقول هو، قصّه عربي في الحياة، أقصر من أربع أو خمس سنوات تكركير في الجامعات، تتلوها قعدة على بنك الانتظار، وزوز شومارات في الدار».

قلت: «إيه ، والبنيّة الصغيرة؟ علاش خلاتك هكة في حيرة؟». قال العياش: «لا، هاذيكة حكايتها حكاية أخرى، إنها - على عكس أخيهاتحب تقرا، لكن لغرض في نفس يعقوب، وبصبر مثل صبر أيوبفهي تخطّط من الآن لهربة إلى بلاد الألمان، تبدأ بالدراسة في المعاهد والكليات، وتنتهي بإقامة هنالك مدى الحياةوقد سجلت بعد  في دروس اللغة الألمانية، تسهيلا لـ «حرقة» رسمية، عندما تنتهي بها الثانوية... أو تريدني، يا صاحبي، أن أكون مرتاح البال، وأنا بين ولد بطال، وآخر موش عاجبو الحال، وبنت عزمت على «الحرقة»، بالمكشوف موش بالسرقة؟».

ومن دون أن يستمع العياش إلى تعليقي، عاد إلى شيشته بين جبدان وتبقبيق.

عادل الأحمر

 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.