المـــرأة في الحـــرب ضدّ داعــــش: التــأرجــح بين دور الضّحيّــة ودور المقــاتلــــة

المـــرأة في الحـــرب ضدّ داعــــش: التــأرجــح بين دور الضّحيّــة ودور المقــاتلــــة

في الحرب ضدّ داعش، المرأة هي المقاتلة في الصفوف الأولى، لكنها أيضا الضّحيّة ووقود الحروب، فهي السّبيّة التي يتمّ اغتصابها وبيعها، وهي الطّفلة التي يتمّ تزويجها قسرا لمقاتلي الدولة الإسلامية، وهي الزّوجة التي تمّ قتل زوجها أمام عينيها وهي الأمّ التي حرمت من أطفالها الذين جنّدهم التّنظيم.

كوني امرأة قادمة من بلد تحقّقت فيه مكاسب عدّة للنساءلم أغفل عن وضعية النساء في العراق، خصوصا وأنّ قدومي إلى هذا البلد تزامن مع دخول داعش إليه. كنت شاهدة على كل البشاعات التي ارتكبها تنظيم الدولة الإسلاميّة في حقّ النساء بشكل خاصّ، ثم بعد ذلك على ردّة فعل البعض منهنّ وتحوّلهن إلى مقاتلات للثأر لشرفهنّ المنتهك ولحماية أنفسهنّ بعد أن تخلّى عنهنّ الرّجال، ليصبح القتال سبيلا إلى التحرّر من المجتمع الذّكوري.

النّساء‭ ‬الأيزيديات‭ ‬كغنائم‭ ‬حرب

وأنا‭ ‬في‭ ‬بيتي‭ ‬في‭ ‬أربيل‭ ‬في‭ ‬صيف‭ ‬2014،‭ ‬كنت‭ ‬أتابع‭ ‬على‭ ‬شاشات‭ ‬التلفزيون‭ ‬تقدّم‭ ‬التنظيم‭ ‬واحتلاله‭ ‬للمدينة‭ ‬تلو‭ ‬الأخرى‭ ‬زاحفا‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬غرب‭ ‬العراق‭ ‬ووسطه‭ ‬إلى‭ ‬حدّ‭ ‬وصوله‭ ‬إلى‭ ‬مناطق‭ ‬الأيزيديين‭ ‬في‭ ‬سنجار‭ ‬وسيطرته‭ ‬عليها‭. ‬اختطافه‭ ‬وسبيه‭ ‬للآلاف‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬واغتصابه‭ ‬لهنّ‭ ‬ثم‭ ‬المتاجرة‭ ‬بهنّ‭ ‬كأي‭ ‬سلعة‭ ‬رخيصة‭ ‬في‭ ‬أسواق‭ ‬الموصل‭ ‬والرقّة‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬مسّني‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭ ‬وتخيّلت‭ ‬نفسي‭ ‬مكان‭ ‬كل‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬النسوة‭ ‬والفتيات‭ ‬ولم‭ ‬أتحمّل‭ ‬حتى‭ ‬مجرد‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬هول‭ ‬ما‭ ‬عشنه‭ ‬وما‭ ‬لحق‭ ‬بهنّ‭ ‬من‭ ‬خزي‭ ‬وعار‭.‬

ومع‭ ‬بداية‭ ‬تواتر‭ ‬الأخبار‭ ‬عن‭ ‬هروب‭ ‬بعض‭ ‬الفتيات‭ ‬الأيزيديات‭ ‬من‭ ‬قبضة‭ ‬التنظيم‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬أكتوبر‭ ‬من‭ ‬2014،‭ ‬بمساعدة‭ ‬بعض‭ ‬الوسطاء‭ ‬من‭ ‬القبائل‭ ‬العربية‭ ‬السنيّة‭ ‬ذات‭ ‬العلاقات‭ ‬الجيدة‭ ‬مع‭ ‬التنظيم،‭ ‬خطر‭ ‬ببالي‭ ‬أنه‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬أذهب‭ ‬لملاقاة‭ ‬هذه‭ ‬الفتيات‭ ‬لسماع‭ ‬معاناتهن‭ ‬ونقلها‭ ‬إلى‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عملي‭ ‬الصحفي‭.‬

كان‭ ‬لابدّ‭ ‬من‭ ‬الذهاب‭ ‬إلى‭ ‬المخيّمات‭ ‬لأجدهّن،‭ ‬حيث‭ ‬تقطن‭ ‬البقية‭ ‬الباقية‭ ‬من‭ ‬أهاليهن‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬يبدهم‭ ‬التنظيم‭. ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬اليسير‭ ‬جعلهن‭ ‬يتكلمن‭ ‬عمّا‭ ‬حصل‭ ‬لهنّ‭ ‬من‭ ‬اعتداء‭ ‬جنسي‭ ‬واغتصاب‭ ‬وضرب‭ ‬وتهديد‭ ‬بالقتل‭ ‬وإجبار‭ ‬على‭ ‬اعتناق‭ ‬الإسلام،‭ ‬ففي‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬يأتي‭ ‬صحفي‭ ‬ليسألهن‭ ‬عن‭ ‬ذلك،‭ ‬يجبرهن‭ ‬بطريقة‭ ‬ما‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يعشن‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬تلك‭ ‬المأساة‭ ‬عبر‭ ‬تذكّر‭ ‬تفاصيلها،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬أنّ‭ ‬معظمهن‭ ‬لم‭ ‬يروين‭ ‬لأهاليهن‭ ‬ما‭ ‬تعرضن‭ ‬له،‭ ‬نظرا‭ ‬لحساسية‭ ‬الموضوع‭ ‬في‭ ‬مجتمع‭ ‬محافظ‭ ‬كالمجتمع‭ ‬الأيزيدي،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬ممكنا‭ ‬الحديث‭ ‬معهن‭ ‬بانفراد‭ ‬إلاّ‭ ‬بحضور‭ ‬الأهل‭.‬

ولا‭ ‬واحدة‭ ‬ممّن‭ ‬قابلتهن‭ ‬اعترفت‭ ‬لي‭ ‬بما‭ ‬تعرّضت‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬اعتداء‭ ‬جنسي‭ ‬واغتصاب‭ ‬ولكنهن‭ ‬حكين‭ ‬لي‭ ‬ما‭ ‬تعرّضت‭ ‬له‭ ‬زميلاتهن‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬البيت‭ ‬أو‭ ‬نفس‭ ‬الغرفة،‭ ‬مما‭ ‬كان‭ ‬يعطيني‭ ‬انطباعا‭ ‬شبه‭ ‬مؤكد‭ ‬أنّهن‭ ‬المقصودات‭ ‬في‭ ‬القصص‭ ‬التي‭ ‬روينها‭ ‬لي،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬قسمات‭ ‬وجوههن‭ ‬وتصرفاتهن‭ ‬تفضحهن‭. ‬كنّ‭ ‬يقطعن‭ ‬كلامهن‭ ‬بلحظات‭ ‬من‭ ‬الصّمت‭ ‬يرحلن‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬المكان‭ ‬ليعدن‭ ‬بذاكرتهن‭ ‬المجروحة‭ ‬إلى‭ ‬البيت‭ ‬الذي‭ ‬حُبسن‭ ‬فيه‭ ‬وعشن‭ ‬فيه‭ ‬كل‭ ‬المآسي‭. ‬نظراتهن‭ ‬الفارغة،‭ ‬تقلص‭ ‬عضلات‭ ‬وجوههن‭ ‬من‭ ‬حين‭ ‬لآخر،‭ ‬ابتساماتهن‭ ‬الحزينة،‭ ‬كلّها‭ ‬كانت‭ ‬تفضح‭ ‬ألما‭ ‬عميقا‭ ‬وجرحا‭ ‬لا‭ ‬يندمل‭.‬

من‭ ‬جهتي،‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أريد‭ ‬الضغط‭ ‬عليهن‭ ‬أو‭ ‬إحراجهن‭ ‬وكنت‭ ‬أكتفي‭ ‬بما‭ ‬كنّ‭ ‬يروينه‭ ‬لي‭ ‬وأقرأ‭ ‬الباقي‭ ‬على‭ ‬وجوههن،‭ ‬كما‭ ‬كنت‭ ‬أستجيب‭ ‬لرغباتهن‭ ‬بإنهاء‭ ‬الحديث‭ ‬إذا‭ ‬أصبح‭ ‬الأمر‭ ‬مؤلما‭ ‬بالنسبة‭ ‬لهنّ‭.‬

»بضاعة‭ ‬للعرض‮‬«

هكذا‭ ‬روت‭ ‬لي‭ ‬إحداهن‭ ‬وعمرها‭ ‬20‭ ‬سنة‭ ‬كيف‭ ‬تمّ‭ ‬اختطافها‭ ‬من‭ ‬قريتها‭ ‬كوشو‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬سنجار،‭ ‬حيث‭ ‬وجدت‭ ‬نفسها‭ ‬مع‭ ‬مجموعة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬في‭ ‬مدرسة‭ ‬القرية‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تم‭ ‬فصلهن‭ ‬عن‭ ‬الرجال‭ ‬وقتل‭ ‬هؤلاء‭ ‬ثم‭ ‬ترحيل‭ ‬النسوة‭ ‬إلى‭ ‬تلعفر‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬إلى‭ ‬الموصل‭. ‬هناك‭ ‬وجدت‭ ‬نفسها‭ ‬مع‭ ‬160‭ ‬فتاة‭ ‬من‭ ‬قريتها‭ ‬محبوسات‭ ‬في‭ ‬منزل‭ ‬كبير‭ ‬بعدّة‭ ‬طوابق‭ ‬وكنّ‭ ‬يتلقّين‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬زيارة‭ ‬المقاتلين‭ ‬من‭ ‬التنظيم‭ ‬وخاصّة‭ ‬الأمراء،‭ ‬للتّعرّف‭ ‬على‭ ‬‮«‬البضاعة‮»‬‭ ‬واختيار‭ ‬ما‭ ‬يحلو‭ ‬لهم‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬والفتيات‭. ‬وعبثا‭ ‬حاولت‭ ‬هذه‭ ‬الفتاة‭ ‬وصديقاتها‭ ‬إخفاء‭ ‬وجوههن‭ ‬بلحافاتهن‭ ‬أو‭ ‬شعورهن‭ ‬وهن‭ ‬واقفات‭ ‬للعرض‭ ‬أمام‭ ‬المقاتلين‭ ‬إلا‭ ‬أنّه‭ ‬تمّ‭ ‬إجبارهن‭ ‬على‭ ‬تعرية‭ ‬وجوههن‭. ‬وبعد‭ ‬اختيار‭ ‬مجموعة‭ ‬منهن‭ ‬كان‭ ‬يتمّ‭ ‬إما‭ ‬إرسالهن‭ ‬إلى‭ ‬مدن‭ ‬أخرى‭ ‬كالرّقّة‭ ‬ودير‭ ‬الزور‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬أو‭ ‬‮«‬استهلاك‭ ‬البضاعة‮»‬‭ ‬على‭ ‬عين‭ ‬المكان،‭ ‬حيث‭ ‬تؤخذ‭ ‬الفتاة‭ ‬إلى‭ ‬الطابق‭ ‬العلوي‭ ‬ويتم‭ ‬اغتصابها‭. ‬‮«‬كان‭ ‬يتناهى‭ ‬إلى‭ ‬سماعنا‭ ‬صراخ‭ ‬الفتيات‭ ‬في‭ ‬الأعلى‭ ‬وتوسّلاتهن‭ ‬للمقاتلين‭ ‬لتركهنّ‭. ‬وكنّ‭ ‬يرجعن‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬الموالي‭ ‬وقد‭ ‬غطت‭ ‬وجوههنّ‭ ‬الكدمات‮»‬‭ ‬تروي‭ ‬مُحاورتي‭ ‬بحزن‭. ‬لم‭ ‬تخبرني‭ ‬إن‭ ‬كانت‭ ‬تعرّضت‭ ‬هي‭ ‬نفسها‭ ‬للاعتداء‭ ‬الجنسي‭ ‬ولكنها‭ ‬أكّدت‭ ‬لي‭ ‬أنّها‭ ‬تعرّضت‭ ‬للبيع‭ ‬مرّتين،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تقرّر‭ ‬الهروب‭ ‬من‭ ‬قبضة‭ ‬مالكها‭ ‬الجديد‭.‬

تتواتر‭ ‬القصـص‭ ‬عمّا‭ ‬فعله‭ ‬التنظيم‭ ‬بالنساء‭ ‬الأيزيديات‭ ‬وخاصة‭ ‬عن‭ ‬تفضيله‭ ‬للبنات‭ ‬الصغيرات‭ ‬اللواتي‭ ‬لم‭ ‬يبلغن‭ ‬بعد‭ ‬سنّ‭ ‬البلوغ،‭ ‬حيث‭ ‬تصل‭ ‬أثمانهن‭ ‬إلى‭ ‬200‭ ‬دولار‭ ‬للواحدة‭. ‬كقصة‭ ‬تلك‭ ‬البنت‭ ‬الصغيرة‭ ‬ذات‭ ‬12‭ ‬سنة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬مالكها‭ ‬الداعشي‭ ‬يضع‭ ‬لها‭ ‬منوّما‭ ‬في‭ ‬الحليب‭ ‬كل‭ ‬ليلة‭ ‬ويعتدي‭ ‬عليها‭ ‬جنسيا‭ ‬لتصحو‭ ‬مضرجة‭ ‬بدمائها‭. ‬هذه‭ ‬البنت‭ ‬وبعد‭ ‬فرارها‭ ‬من‭ ‬داعش‭ ‬وعودتها‭ ‬إلى‭ ‬أهلها‭ ‬بقيت‭ ‬لمدة‭ ‬شهرين‭ ‬صامتة‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تنطق‭ ‬بأيّة‭ ‬كلمة،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تتلقّى‭ ‬العلاج‭ ‬والمساعدة‭ ‬النفسية‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬بعض‭ ‬المنظمات‭.‬

عملية‭ ‬فرار‭ ‬هذه‭ ‬الفتيات‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬سهلة‭. ‬وكان‭ ‬لابدّ‭ ‬من‭ ‬التنسيق‭ ‬بين‭ ‬أهاليهن‭ ‬وبين‭ ‬وسطاء‭ ‬قريبين‭ ‬من‭ ‬القبائل‭ ‬العربية‭ ‬السنية‭ ‬لإخراجهن‭ ‬من‭ ‬المناطق‭ ‬التي‭ ‬يسيطر‭ ‬عليها‭ ‬داعش،‭ ‬مقابل‭ ‬دفع‭ ‬مبالغ‭ ‬طائلة‭ ‬حيث‭ ‬بلغت‭ ‬كلفة‭ ‬تحرير‭ ‬الفتاة‭ ‬الواحدة‭ ‬4000‭ ‬دولار‭. ‬استطاعت‭ ‬بعض‭ ‬الفتيات‭ ‬المختطفات‭ ‬الاتّصال‭ ‬بأهاليهن‭ ‬عبر‭ ‬الهواتف‭ ‬الجوّالة‭ ‬التي‭ ‬نجحن‭ ‬في‭ ‬اخفائها‭ ‬عن‭ ‬أنظار‭ ‬مقاتلي‭ ‬داعش‭ ‬في‭ ‬حفّاظات‭ ‬الأطفال‭ ‬تحت‭ ‬الأرض،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬خرق‭ ‬خطير‭ ‬لأوامر‭ ‬مقاتلي‭ ‬التنظيم‭ ‬الذين‭ ‬سلبوا‭ ‬منهن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يمتلكنه‭. ‬بعد‭ ‬تحديد‭ ‬مكان‭ ‬الفتاة،‭ ‬كان‭ ‬يطلب‭ ‬من‭ ‬الوسيط‭ ‬استئجار‭ ‬منزل‭ ‬لإخفائها‭ ‬فيه‭ ‬وتوفير‭ ‬لباس‭ ‬شرعي‭ ‬لها‭ ‬وبطاقة‭ ‬هوية‭ ‬مزوّرة،‭ ‬ثم‭ ‬نقلها‭ ‬مع‭ ‬أهله‭ ‬في‭ ‬تاكسي‭ ‬للتمويه،‭ ‬خارج‭ ‬المدينة‭ ‬التي‭ ‬تقع‭ ‬تحت‭ ‬سيطرة‭ ‬داعش‭ ‬وإيصالها‭ ‬إلى‭ ‬الحدود‭ ‬مع‭ ‬البشمركة‭ ‬الكردية‭ ‬ومن‭ ‬هناك‭ ‬يستلمها‭ ‬أهلها‭. ‬هذه‭ ‬الطريقة‭ ‬مكّنت‭ ‬من‭ ‬استرجاع‭ ‬حوالي‭ ‬2800‭ ‬مختطفة‭ ‬من‭ ‬مجموع‭ ‬5000‭.‬وقد‭ ‬لعبت‭ ‬حكومة‭ ‬إقليم‭ ‬كردستان‭ ‬دورا‭ ‬كبيرا‭ ‬في‭ ‬عمليات‭ ‬الاسترجاع‭ ‬هذه‭.‬

عودة‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المختطفات‭ ‬الأيزيديات‭ ‬إلى‭ ‬مناطقهن‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬كردستان‭ ‬لم‭ ‬يحل‭ ‬المشكلة،‭ ‬وإنما‭ ‬فتح‭ ‬الباب‭ ‬أمام‭ ‬صعوبات‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬ضرورة‭ ‬المعالجة‭ ‬النفسية‭ ‬للناجيات‭ ‬وإعادة‭ ‬تأهيلهن‭ ‬ومساعدتهن‭ ‬على‭ ‬الاندماج‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬مجتمعهن‭ ‬المحافظ‭. ‬عملية‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬يسيرة، خاصّة وأن هناك منهن من حملت من مغتصبها، فكان لابدّ من مساعدتها على الإجهاض. وأخريات لم يسلمن من نظرة المجتمع المهينة لهن، رغم دعوة المرجعية الدينية الأيزيدية إلى تقبّل الفتيات الناجيات واحتضانهن لمساعدتهن على تجاوز ماحصل لهن. هذا دفعهن إلى الإقبال بشكل كبير على إجراء عمليات لإعادة غشاء البكارة في محاولة منهن لترميم الصّدع الكبير داخل نفوسهن قبل أجسامهن.

القتال كسبيل للانتقام

في حين انخرطت بعض الناجيات في الدورات التكوينية والمشاريع التي نظمتها بعض المنظمات لإعادة تـأهيلهن وفتح آفاق لهن لمعاودة بناء حياتهن من جديد، فضّلت العديد منهن الانخراط في القتال بعد أن أدركن أنّه لم يعد هناك مفرّ من مواجهة العدوّ مباشرة لاسترداد الشرف الضّائع وحماية الطّائفة بشكل عامّ.

من هنا جاء تدخّل قوات حماية المرأة الكردية الجناح النسوي لـ”وحدات حماية الشعب” التابعة للحزب الديمقراطي الكردي(PYD)، الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني. هذه القوات تمركزت في سنجار منذ سقوطها في يد داعش (في أوت 2014)، وقامت بتجنيد وتدريب النساء أساسا الأيزيديات على قتال التنظيم. فنشأت في جانفي 2015 وحدات حماية المرأة في سنجار الخاصة بالمرأة الأيزيدية، حيث تتلقى المجنّدات التدريب العسكري والإيديولوجي.

ذهبت لملاقاتهن في أحد معسكراتهن في سفح جبل سنجار، كانت هناك مجموعة من الفتيات في الزيّ العسكري تتراوح أعمارهن بين 17 و25 سنة، تقودهن مقاتلة سورية من قوات حماية المرأة الكردية. بهرني كبريائهن وجمالهن، لم ألمس عندهن ذلك الشعور باليأس والهزيمة الذي رأيته عند بنات طائفتهن اللواتي التقيتهن في المخيّم، رغم أنّ الكثير ممّن التحقن بحزب العمال كنّ من الناجيات من قبضة داعش. لاحظت أنّ عندهن شجاعة كبيرة واعتدادا بالنفس وفهما أعمق لمجريات الصراع ولوضعهن كنساء تمّ استغلالهن كوقود للحرب. أحسست أن عندهن رفضا لأن يستمر استعباد المرأة، أوّلا بالتّحكّم في مصيرها باسم التقاليد والعادات، ثم بجعلها الضحية الأولى في أوقات النزاعات.

إديولوجيا حزب العمال والمساواة بين الجنسين

حزب العمال ذو الخلفية اليسارية علّم هذه الفتيات أن لا وجود لفروق بين المرأة والرجل وأنّ كلاهما مساهم في كل الأعمال المرتبطة ببناء الدولة، بما في ذلك القتال. من هنا جاءت تلك الصور الجميلة التي رأيناها على شاشات التلفزيون للمقاتلات الكرديات وهنّ يواجهن من دون خوف مقاتلي داعش.

وراء تلك الشجاعة، يكمن بالأساس وعي المرأة بدورها في كل المجالات. ووراءه أيضا تدريب عسكري مكثف تبدأه الفتيات في سنّ الخامسة عشرة في معسكرات حزب العمال جنبا إلى جنب مع الرجال بدون أية تفرقة، ثم يتمّ نشرهنّ على مختلف الجبهات. وقد عُرفت النساء أساسا بشجاعتهن اللامتناهية وعدم تراجعهنّ عن القتال إلى حدّ الرّمق الأخير كتلك المقاتلة الكردية السورية آرين ميرخان التي نفذت ذخيرتها ففضلت أن تفجّر نفسها وتقتل مجموعة من مقاتلي داعش في كوباني على أن تقع سبيّة في أيديهم. كما يحسب للمقاتلات الكرديات أنهن أبرع في القنص من الرجال، نظرا لقدرتهن على الصّبر.وقد تمكّن من زرع الرعب عند مقاتلي داعش الذين يخافون أن يتمّ قتلهم على يدي نساء، لأنّ ذلك، حسب اعتقادهم، يحرمهم من الدخول إلى الجنة.المساواة بين الجنسين عند حزب العمال امتدت إلى دواليب الإدارة، ففي المناطق الكردية التي تسيطر عليها قوات وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا، تُفرض تمثلية بـ 40 % للنساء في كل الإدارات، ويكون على رأس كل جهاز إداري رجل وامرأة. وينسحب الأمر على دواليب الحزب نفسه. هذا الفكر أحدث ثورة في واقع الفتيات الأيزيديات ووواقع النساء في العراق وسوريا ومنطقة الشرق الأوسط ككل. فنزول المرأة للقتال جنبا إلى جنب مع الرجل واقتناعها بأنها تملك كامل الحقوق والواجبات، كسر عندها الصورة النمطية التي يعطيها المجتمع العشائري الذكوري للنساء. هذه الثورة لخّصتها كولان، إحدى المجنّدات في قوات حماية المرأة في سنجار والبالغة من العمر 17 سنة، بقولها: « عرفت أنّ لي كأمرأة حقوقا وواجبات وأنّ دوري ليس أن أتزيّن لأعجب الرجل، بل أنّه يمكنني أن ألعب دورا في حماية نفسي وقومي».

التّحرّر من المجتمع الأبوي عبر المشاركة في القتال

النجاحات التي حقّقتها قوات حماية المرأة سواء في العراق أو سوريا، خاصة بعد استماتة المقاتلات في القتال ضدّ داعش في كوباني، أعطت الفكرة لقوات البشمركة الكردية لخلق قوة نسائية من المتطوّعات في نهاية 2015 تمّ تركيزها على مستوى محور نوران على بعد بضعة كيلومترات من الموصل.

حدّثتني دلخاز (18 سنة) بكلّ فخر عن قرارها بالانضمام الى هذه القوة: «كنت قابعة في المنزل في دهوك وقد انقطعت عن الدّراسة، ثم فجأة سمعت عن هذه القوة، فقرّرت الانضمام لها»، مضيفة أنّ «القتال ضد داعش لحماية وطني أعطى معنى لحياتي».

هكذا يصبح القتال الذي هو بالأساس مجال الرجل بامتياز، طريقا للنساء في منطقة الشرق الأوسط للتحرّر من العقلية الذكورية ومن المجتمع الأبوي الذي يحدّ من حريتهن ويتحكّم في مصيرهنّ. ففي منطقة مازالت تمارس فيها جرائم الشّرف دون عقاب وختان الإناث وزواج القاصرات وتبادل النساء بين القبائل كدية في قضايا الثأر، تصبح مشاركة المرأة في الحرب ثورة حقيقية في العقليات وسبيلا لتحقيق الذّات. هذا ما فهمته النساء العربيات في قوات سوريا الديمقراطية حيث قرّرن الاقتداء بزميلاتهن الكرديات والالتحـــاق بالقتال، حيث تقول المقاتلة بتول، 21 سنة، لوكالة أ.ف.ب أنها تحدّت قبيلتها وأباها وأمها لتقاتل داعش وأن أهلها خيّروها بين ترك السلاح أو عدم الاعتراف بهـــا، فخيّرت الاستمرار في القتال، مبيّنـــة أنّ انضمامها لقوات حماية المرأة الكردية كان «من أجل تحرير بلادها ولكن أيضا من أجل تحرير المرأة من العبوديّة والحبس بين أربع حيطان».

تحرّر المرأة عبر المشاركة في القتال لا يجب أن يخفي جوانب أخرى سلبية في الموضوع، فحزب العمال مثلا يقوم بتجنيد الفتيات حتى قبل بلوغهن سنّ الرشد وهو ما لا يعطيهن فرصة حقيقة لاختيار مصيرهن، كما يُحجّرعليهن الحب والزّواج، بالإضافة إلى أنّه يمنع عليهن الخروج من الحزب والاّ اعتبرن خائنات.

من جهة أخرى، فإنه لابدّ من التّذكير أنّ دخول النساء للقتال في صفوف البشمركة لم يمنحهن حقوقهن الكاملة ولم يمكّن من تغيير العقليات الذكورية التقليدية. فقتال المرأة الكردية في العراق مع البشمركة، بدأ منذ عهد صدام حسين والكثير من النساء تميّزن وحقّقن نجاحات في هذا المجال. ولكن مع تمتّع إقليم كردستان بالاستقلال الذاتي، وجدت النساء أنفسهن من جديد قابعات في المنازل دون الحصول على أي من الامتيازات التي حصل عليها الرجال ودون حتى الاعتراف بما قمن به.

يبقى السؤال: هل تكفي المشاركة في القتال لتحرير النساء في الشرق الأوسط؟

حتما لا يمكن إنكار أن المشاركة في الحرب مكنت المرأة من الوعي بأهميتها وإمكانياتها الفعلية وحقــوقها، بقـي عليها أن تُطوّر هذه المكتسبات لتجعل منها واقعا يساهم في تغيير العقليات.

حـــنــــان‭ ‬زبــــيـــــس

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.