أخبار - 2017.03.21

العنف ضـــدّ المـرأة: إحصائيـات وخـيــارات تشــــريعيّـــــة

العنف ضـــدّ المـرأة: إحصائيـات وخـيــارات تشــــريعيّـــــة

تونس معنيــة مثـل بقية الدول في العالم بظاهرة العنف ضد المرأة، وفي هذا الصدد تبيّن المؤشرات الإحصائية الرسمية القضائية للسنوات الخمس بداية من سنة 2008 إلى سنة 2013 أنّ:

  • عدد الشكاوى الواردة على النيابة العمومية في مجال العنف الزوجي بلغ 28910.
  • عدد المحكوم عليهم في جرائم العنف الشديد المجرد ضد النساء لدى المحاكم الابتدائية بلغ 3810.
  • عدد المحكوم عليهم في جرائم العنف الشديد المجرّد ضد النساء لدى محاكم النواحي بلغ 11245.
  • عدد المحكوم عليهم في جرائم العنف الناجم عنها تشويه بالوجه، لدى المحاكم الابتدائية بلغ 141.
  • عدد المحكوم عليهم في جرائم استغلال جنسي للنساء لدى المحاكم الابتدائية بلغ 2183.
  • عدد المحكوم عليهم في جرائم اغتصاب النساء بلغ 904.

وبالنسبة إلى عدد النساء ضحايا العنف لنفس الفترة، فقد تمّ تسجيل:

  • النساء ضحايا في جرائم استغلال جنسي لدى المحاكم الابتدائية بلغ 2239.
  • عدد النساء ضحايا في جرائم العنف الشديد المجرّد لدى المحاكم الابتدائية بلغ 3690.
  • عدد النساء ضحايا في جرائم العنف الشديد لدى محاكم النواحي بلغ 10968 ضحية.
  • عدد النساء ضحايا في جرائم العنف الناجم عنها تشويه بالوجه لدى المحاكم الابتدائية بلغ 128.

وبدورها، أكّدت الدراسات الميدانية المنجزة في تونس انتشار ظاهرة العنف ضد المرأة وفـق ما انتهى إليه كل من المسح الميداني الذي أنجزه الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري خلال سنة 2008، انطلاقا من عيّنة تمثيليّة شملت 3873 امرأة ضمن الشريحة العمرية 18-64 سنة، والذي بيّن أنّ:

  • 47.6 % من النساء في تونس تعرّضن لأحد أنواع العنف على الأقل مرّة واحدة طيلة حياتهنّ.
  • 32.9 % من النساء تعرّضن لأحد أنواع العنف على الأقل مرّة واحدة خلال الاثني عشر شهرا المنقضية.
  • %31,7 من النساء تعرّضن للعنف الجسدي.
  • %28,9 من النساء تعرّضن للعنف النّفسي.
  • %15,7 من النساء تعرّضن للعنف الجنسي.
  • %7,1 من النساء تعرّضن للعنف الاقتصادي.

وكذلك الحال بالنسبة إلى الدراسة الميدانية حول العنف المبني على النوع الاجتماعي في الفضاء العام المنجزة انطلاقا من العيّنة نفسها من النساء خلال الفترة الممتدة من سنة 2011 إلى سنة 2015 من قبل مركز البحوث والدراسات والتّوثيق والإعلام حول المرأة بالتعاون مع هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، والتي توصلت بدورها إلى أنّ:

  • %53 من النساء في تونس تعرّضن إلى أحد أنواع العنف.
  • %78،1 من النساء تعرّضن للعنف النّفسي.
  • %74،4 من النساء تعرّضن للعنف الجنسي.
  • %41،2 من النساء تعرّضن للعنف الجسدي.

فعلى الرغم من أنّ هذه الإحصائيات لا تعكس الحجم الحقيقي للعنف المسلّط على النساء، وذلك بحكم امتناع بعضهِنّ عن التصريح بتعرّضهن للعنف أو تقديـــم شكــاية في الغرض لعدة اعتبارات، منها الاجتماعية والعائلية، فإن ما تمّ رصده يُبيّن دون لَبس أنّ التحدي المطروح علينا جميعا يتمثّل في كيفية التخفيض في عدد النساء ضحايا العنف بشتّى أنواعه إلى أدنى النسب الممكنة والإحاطة بضحايا العنف.

ومن أجل الوصول إلى رفع هذا التحدي، كان خيار المجلس الوطني التأسيسي واضحا بالنسبة إلى ضمان حماية معزّزة للحرمة الجسدية للمرأة من خلال ما نصّ عليه الفصل 46 من الدستور التونسي بخصوص وجوب اتخاذ الدولة التدابير الكفيلة بالقضاء على العنف ضد المرأة في تونس.

وفي إطار تفعيل هذه الأحكام الدستورية تندرج المبادرة التشريعية للحكومة بخصوص مشروع القانون الأساسي المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة الذي اعتمد على مقاربة شاملة في صياغته ترُكِّز بالأساس على الوقاية والحماية من الأسباب التي تجعل المرأة ضحية العنف، إلى جانب تجريم ومعاقبة كل أشكال العنف ضد المرأة وضمان التعهد بالمرأة ضحية العنف.

أوجه التجديد في مشروع القانون الأساسي

تتجلّى أوجه التجديد في مشروع هذا القانون الأساسي على المستويات التالية:

التجديد على مستوى تشديد العقاب

لا تكرّس المجلة الجزائية قاعدة عامة بالنسبة إلى تشديد العقاب في جرائم العنف ضد المرأة إلا في حالات قليلة على غرار العنف الزوجي المجرّد، لذلك تم اعتماد مبدإ تشديد العقاب في كل الجرائم المتعلقة بالعنف الجسدي أو الجنسي كلما كان ضحية العنف طفل أو أحد الأصول أو أحد الفروع أو أحد الزوجين أو أحد المفارقين أو أحد الخطيبين أو  كان للجاني سلطة على الضحية أو أستغل نفوذ وظيفه.

التجديد على مستوى ضمان عدم الإفلات من العقاب

ألغيت في مشروع هذا القانون الأساسي الفصول أو الاحكام القانونية التي تمكّن الجاني من الإفلات من العقاب والمتمثلة في:

  • الأحكام القانونية الواردة بالفصل 227 مكرّر من المجلة الجزائية التي نصّت على إيقاف التتبعات أو آثار المحاكمة عند زواج الجاني بالمجني عليها عند ارتكاب سواء جريمة مواقعة أنثى بدون عنف سنّها دون 15سنة كاملة أو جريمة مواقعة أنثى دون عنف سنّها فوق 15سنة ودون 20 سنة كاملة.
  • الفصل 239 مكرّر من المجلة الجزائية الذي يترتّب على زواج الجاني بالبنت التي فرّ بها إيقاف المحاكمة أو تنفيذ العقاب.

والهدف المنشود من هذا الإلغاء هو المحافظة على المصالح الفضلى للطفلة حسبما نصّ عليه الفصل 47 من الدستور، والتي تقتضي منع الزواج القسري للفتاة ضحيّة جريمة الفصلين 227 مكرّر و239 من المجلة الجزائية، وذلك لفقدان شرط الرضا الصحيح الحرّ بالزواج من جانب الضحية التي تكون تحت تأثير الإكراه المعنوي المسلّط عليها من قبل أسرتها والمجتمع نتيجة ممارسات ضــارّة تجيز هضم حقوق تلك الضحية لمصلحة من ارتكب جريمة نكراء ضدّها.

التجديد على مستوى تجريم الجرائم المستحدثة

تمّٰ في مشروع هذا القانون الأساسي تعديل وإضافة فصول جديدة  إلى المجلة الجزائية لسدّ الفراغ التشريعي وضمان عدم  الإفلات من العقاب والمتمثلة في:

  • تعريف جريمة الاغتصاب ضمن الفصل 227 جديد من المجلة الجزائية لتشمل الضحية الأنثى والذّكر على حدّ السّواء كما هو مكرّس في القوانين المقارنة المتطوّرة والتي لا تميّز بين الجنسين في تجريم الاغتصاب عند ارتكابه ضد أحد الجنسين على حدّ السّواء.
  • تجريم تشغيل الأطفال كعملة منازل ضمن الفصل 18 علما وأنّ الفئة المعنية بالدرجة الأولى بعملة المنازل هي الفتيات. ويندرج تجريم تشغيل الأطفال كعملة منازل في إطار توفير حماية أفضل لهؤلاء وخاصة الفتيات منهم من العمل في ظروف قاسية وشاقة التي تتسم بها الأعمال المنزلية، إلى جانب وقاية الأطفال من إمكانية التعرّض إلى الاعتداءات الجنسية والتحرّش الجنسي بمناسبة عملهم بالمنازل باعتبارها فضاءات مغلقة في ظلّ غياب المراقبة المستمرّة لظروف العمل كما هو الشأن بالنّسبة إلى العمل في الفضاءات المفتوحة الأخرى.
  • تجريم  التميّيز في الأجر عن عمل متساوي القيمة على أساس الجنس ضمن الفصل 17، وذلك لأنّ الاتفاقيات الدولية تمنع التميّيز في الأجر بين الجنسين إزاء عمل متعادل القيمة باعتباره من بين أشكال العنف الاقتصادي، وذلك على غرار اتفاقية القضاء على جميع أشكال التميّيز ضدّ المرأة والاتفاقية رقم 100 الخاصّة بمساواة العمال والعاملات في الأجر لدى تساوي قيمة العمل. وفي تونس تعاني المرأة بصفة عامة في القطاع الخاص من التمييز في الأجر وخاصّة في المجال الفلاحي أمام  غياب نصّ جزائي يعاقب التمييز في الأجر على أساس الجنس وذلك لأنّ مجلة الشغل تعاقب على عدم دفع الأجر الأدنى المضمنون الصناعي أو الفلاحي فحسب.
  • تجريم  مضايقة المرأة في مكـــان عمـــومي، بكل فعل أو قول أو إشارة من شأنهـــا أن تنـــال من كـــرامتها أو اعتبـــارها أو تخــــدش حيــــاءها في الفصـــل 16 باعتبــــارها جريمـــة خــــاصّة وذلك لضمان حقهـــا في ولوج الفضـــاء العام دون تعرّضها الى مضايقة نظرا لأنّ الفصل 226 مكرّر المتعلق  بجريمة التّحرّش الجنسي هو فصل عام لا يأخذ بعين الاعتبار البعد النوعي الاجتماعي في التجريم كما يستوجب توفّر شرط الغاية والمتمثّل في حمل الضحيّة على الاستجابة لرغبات جنسية بينما جريمة الفصل 16 لا تشترط ذلك لقيامها. كما أنّ بعض القوانين المقارنة تنصّ على مثل هــذه الأحكام على غرار القانون الجــــزائي الجــــزائري في الفصل 333 مكرّر 2 المضـــاف بموجب القانون رقم 15-19 مؤرخ في 30 ديسمبر 2015.

التجديد على مستوى تكريس قرارات الحماية

ينحصر دور القضاء في  إثارة الدعوى العمومية والمحـاكمة في صـــورة ارتكاب أي جــريمـــة عنف ضد المرأة، بينما تكون المــرأة ضحيــة العنف في حاجــة إلى حمـــاية قضــائية لمنـــع مرتكــب العنف من الاتصال بها لضمان حرمتها الجســـدية من إمكانية التّعرّض مرة أخرى للعنف.

وقد تفادى مشروع هذا القانون الأساسي هذه التغرة التشريعية من خلال تمكين قاضي الأسرة في إطار قرار الحماية من اتخاذ عدة تدابير من شأنها حماية المرأة ضحيّة العنف وذلك على غــرار منــع مرتكب العنـــف من الاتصـــال بالضحية أو أطفالها في المسكن العـائلي أو في مكــان العمل أو في مكان الدراسة أو في مركز الإيواء أو في أي مكان يمكن أن يوجدوا فيه أو من إبعاده من المسكن العائلي في حالات الخطر الملم على الضحية أو على أطفالها المقيمين معها أو غير ذلك من التدابير الأخرى كما هو مكرّس في القوانين المقارنة المتطورة.

المواقف المسجلة من مشروع القانون الأساسي

يحظى مشروع القانون الأساسي باهتمام وطني ودولي على حد السواء مع اختلاف في المواقف المسجلة في شأنه.

المواقف المسجلة على المستوى الوطني

تتّجـــه جل المواقــف المسجلـة نحـــو مناصرة مشروع القانون الأساسي المتعلق بالقضاء على العنف ضدّ المرأة مما يستدعي تضافر جهود الجميع لدعم هذا المشروع بهدف التمهيد لحصول أوسع ما يمكن من توافق حوله على مستوى الرأي العام والأحزاب السيـــاسية والكتــل البرلمانية لضمـــان المصادقة عليه من قبل مجلس نواب الشعـــب في أنســـب الآجال أسوة بالمسار المتّبــــع في صــــدور القــــانون الأساسي عدد 46 لسنة 2015 المؤرخ في 23 نوفمبر 2015 المتعلّق بتنقيح وإتمام القانون عدد 40 لسنة 1975 المؤرخ في 14 ماي 1975 المتعلق بجوازات السّفر ووثائق السّفر الذي ألغى التمييز ضــدّ الأم في مجـــال تصريف شؤون الأطفال ، وذلك من خلال تمكينها من منح التّرخيص لاستخرج أو سحـــب جــواز سفر الطفـــل أو سفــر الطفل إلى الخـــارج شـــأنها في ذلك شـــأن الأب دون تمييـــز بينهما.

المواقف المسجّلة على المستوى الدولي

تـــواكب المنظمــــات الدولية على غرار الاتحاد الأوروبّي ومجلس أوروبا ومختلف الهياكل التابعة لمنظمة الأمم المتحدة المختصة في مجال المرأة وشركاء تونس من مختلـــف الدول الصديقة صدور هذا القانون الأســــاسي المتعلّق بالقضاء على العنف ضد ّالمــرأة الذي من شــــأنه أن يعـــزّز مكــــان تونس في المحافل الدولية بالنسبة إلى التزامها الطوعي بتعهداتها في مجال القضاء على العنف ضدّ المرأة.

وفي هذا الصدد، تولّت الجمهورية الجزائرية بموجب القانون 15-19 المؤرخ في 30 ديسمبر 2015 تنقيح قانون العقوبات في اتّجاه تكريس حماية أفضل للمرأة من العنف، كما أنّ البرلمان المغربي هو الآن بصدد مناقشة قانون رقم 13-103 المتعلّق بمحاربة العنف ضدّ المرأة.

والصيرورة التاريخية تجعلنا على يقين من أنّ مجلس نواب الشّعب سيمضى قدما نحو انتهاج نفس السياسية التشريعية الداعمة لحقوق المرأة منذ الاستقلال، وذلك من خلال المصادقة على مشروع هذا القانون الأساسي المستجيب إلى المعايير الدولية في هذا المجال.

ســامــية دولــة

قـــاضية مكلفــة بمهمــة بديـــوان وزيـــرة المــرأة والأسـرة والطفولة

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.