أخبار - 2017.02.27

خـالد الــشّابي: لماذا المدارس العربية في تونس؟

خـالد الــشّابي: لماذا المدارس العربية في تونس؟

مثّل احتمال العودة إلى الوطن في أيّ وقت، وقد يكون دون سابق إنذار، هاجسا يؤرق العرب الأولياء من الجاليات العربية المقيمة في تونس لعلاقته بمشكل تعليم أبنائهم، لذلك حرصوا بالتعاون مع السفارات أو المنظمات العربية في تونس وبالتنسيق مع وزارة التربية التونسية على إرساء مدارس تؤمن التعليم لأبنائهم وبناتهم وتقدم لهم المناهج المدرسية التي تدرّس في أوطانهم أو القريبة منها. ومن هنا يلوح في الأفق السؤال القديم المتجدّد: أيّ واقع تعيشه المدارس العربية في تونس؟ وما دورها في الحفاظ على الرابط التربوي بين أبناء الجاليات العربية وبين مجتمعهم الأم في ضوء اندماجهم في المجتمع التونسي الذي يعيشون فيه؟

نظرا إلى أنّ المنهج التعليمي التونسي يختلف عن مناهج البلدان العربية ولأنّ المناهج الأصلية للتعليم في البلدان العربية وخاصة بالمشرق والخليج العربي تدرس باللغة العربية وتعتمد اللغة الانقليزية كلغة أجنبية أولى، يختار أبناء الجاليات العربية في تونس المدارس التي توفّر لهم فرصة التعليم باعتماد مناهج قريبة من مناهج بلدانهم حتى يستطيعوا الالتحاق بالمدارس الحكومية أو الجامعات الحكومية في بلدانهم والاندماج فيها عند عودتهم النهائية إلى أوطانهم.

واقع المدارس العربية في تونس

أحصينا في تونس حاليا ستّ مدارس عربية، تغطّي مراحل التعليم الابتدائي والاعدادي والثانوي، أربع مدارس منها ليبية وتدرّس المنهج الليبي بإشراف وزارة التربية الليبية (3 منها حكومية تحت مسمّى «المدرسة العربية الليبية»موجودة في تونس والحمامات وصفاقس وواحدة خاصة في العاصمة) ومدرسة عراقية في العاصمة تدرّس المنهج العراقي و«المدرسة العربية» التي تدرّس المنهج الأردني ومقرها العاصمة أيضا. وتعتبر المدرسة العراقية الأقدم حيث أحدثت سنة 1979 تحت رعاية السفارة العراقية بتونس وكان تأسيسها حسب السيد  مدير المدرسة د. محمد شمة علي «في إطار تطبيق قرار سياسي عراقي منذ سنة 1970 يقضي بفتح مدارس عراقية في الخارج لخدمة الجاليات العراقية والعربية تموّلها الدولة العراقية لكن الظروف التي مرّت بها العراق قلّصت من عدد تلك المدارس وأصبح تمويلها ذاتيا ولا يُنتدب من العراق فيها سوى مديرها». أمّا المدرسة العربية والموجودة أيضا في العاصمة فقد أكّد مديرها السيد حامد الحرابي أنّها «أنشئت بقرار من مجلس جامعة الدول العربية سنة 1986 عند انتقال الجامعة وعديد المنظمات العربية إلى تونس ففكّرت الجامعة في إحداث مدرسة لتأمين تعليم أبناء موظّفي تلك المنظمات وتمّ الاتفاق مع الألكسو على اعتماد المنهاج الأردني في التدريس نظرا لتشابهه مع أغلب مناهج الدول العربية في المشرق العربي وفي الخليج العربي وتتولّى وزارة التربية الأردنية تقديم الدعم للمدرسة من حيث تدريب المدرّسين وتقديم الكتب المدرسية مجانا والدعم المادي ومن حيث الإشراف التربوي».

وبخصوص المدرسة الليبية الأحدث والتي تشرف عليها مباشرة الملحقية الثقافية بالسفارة الليبية بتونس فقد انطلق عملها منذ السنة الدراسية 1999 2000. والغاية من إحداث المدارس الليبية حسب السيد عبد الله السنوسي الملحق الثقافي المساعد لشؤون المدارس بالسفارة الليبية بتونس هي «تدريس المنهج الليبي لأبناء الجالية الليبية والعربية في تونس وفتح المجال للدراسة لأبنــــــاء العرب الذين كانوا يشتغلون في ليبيا». وقد تطــــوّرت المدارس الليبية بعد الثورة وارتبطت أعــداد التلاميذ فيها بالأوضاع العامة في ليبيا لتصبح خمس مدارس سنة 2014-2013 يؤمها 446 طالبا ثم 1669 طالبا سنة 2015-2014 وأصبحت عدد المدارس3 سنة 2016-2015 مسجلا فيها 1266 طالبا.

من المستفيد من هذه المدارس؟

يستفيد من هذه المدارس أبناء العاملين في السلك الدبلوماسي والعاملين في المنظمات العربية والاقليمية والدولية الموجودة في تونس وكذلك المستثمرين العرب فيها والطلبة العرب الموفدين للدراسات العليا في الجامعات التونسية وأبناء العرب الذين يقيمون ظرفيا في تونس للعلاج وموظفي الشركات وأصحاب المهن الحرة ورجال الأعمال العرب الذين لهم مصالح في البلاد التونسية وأبناء بعض التونسيين الذين كانوا يشتغلون في البلاد العربية وخاصة في الدول الخليجية وعادوا إلى تونس نهائيا. فبوجود تلك المدارس لم يعد هؤلاء قلقين على تعليم أبنائهم، وكانت عاملا مهمّـــا في استقرارهم في تونس. كما شجّعت تلك المؤسسات التربوية المستثمـــرين العـــرب على الاستثمار والاستقرار في تونس وحفّزت الكفاءات التـــونسية على العمل في البلاد العربية وتسجيل أبنـائها في المدارس الحكومية هنـــاك ثم في إحدى المدارس العربية عند عودتهم إلى تونس إذا وجــــدوا صعوبة في الاندماج في المدرسة التونسية.

وبالنسبة إلى السنة الدراسية الحالية 2017-2016 تقدّم المدارس العربية جميعها خدمات تعليمية وتربوية وأنشطة تثقيفية لـحوالي 1400 تلميذ من الجنسين (ما يقارب 1000 تلميذ في المدارس العربية الليبية، علما أنّ المدرسة الليبية في العاصمة تعمل بإدارتين صباحية ومسائية نظرا لكثافة عدد التلاميذ، وفي حدود 250 في المدرسة العربية، وحوالي 150 في المدرسة العراقية) وهذا العدد يتغيّر من سنة إلى أخرى بل وقد يتغيّر خلال السنة نفسها. فبالنسبة إلى التلاميذ الليبيين مثلا يتغيّر العدد تأثّرا بالظروف في ليبيا أو بنوع المستفيدين.

وفي حين لا يتجاوز عدد التلاميذ التونسيين في هذه المدارس جميعها 37 تلميذا فإنّ بقية التلاميذ ينتمون إلى كل الجنسيات العربية، إضافة إلى بعض الجنسيات غير العربية حيث تضمّ المدرسة العراقية مثلا تلاميذ من الهند وباكستان وتركيا ( حوالي 5% من جملة التلاميذ) بالإضافة طبعا إلى التلاميذ العرب. ويعمل في هذه المدارس مدرّسون تونسيون ومن جنسيات عربية ويبلغ عدد المدرّسين حوالي 200 مدرس غالبيتهم من التونسيين فمنهم من يعمل بصيغة التعاقد الشخصي ومنهم من يعمل في شكل إعارة وهذا الشكل الأخير يهمّ فقط «المدرسة العربية»، التي لا تشغّل سوى المدرسين التونسيين من بينهم 8 معارين عن طريق التعاون الفني والبقية متعاقدون.

تعليم وجسر تواصل

لم تقتصر مهمّة المدارس العربية في تونس على التربية والتعليم فحسب بل تجاوز ذلك، فهي بمثابة منابر ثقافية تسهم في توطيد الروابط بين الأشقاء العرب وفي بناء التآلف والتحابب بين أبناء مختلف الأقطار العربية مما أسّس صداقات بين العائلات وقرَّب بينها، كما عملت وبشكل فاعل على التقارب الثقافي والفكري والتعايش بين جنسيات متعدّدة. ومثّلت أيضا جسر تواصل مع العديد من المؤسسات الثقافية والتربوية في تونس وخارجها. وتلعب تلك المدارس دورا مهمّا في تأطير تلاميذها. فالتلميذ العربي في هذه المدارس لا يعيش الازدواجية الثقافية التي يعيشها زميله الذي يدرس في مدرسة مشابهة في أوروبا. ولكل مدرسة برامجها الثقافية الخاصة بها. لكنها تنظّم برامج ثقافية ومباريات رياضية  فيما بينها ومع مدارس أخرى، غير أنّ عديد المسابقات والأنشطة مع المدارس الأجنبية تعطّلت بعد الثورة بسبب الظروف الأمنية.

الآفاق بعد المدرسة

بعد الحصول على الثانوية العامة (البكالوريا) يقبل تلاميذ المدارس العربية في الجامعات التونسية الحكومية، لكن هذا الاجراء لا يطبّق حسب مدير المدرسة العراقية على التلاميذ التونسيين خريجي المدرسة العراقية . ولمّا سألنا د. محمد شمة علي مدير المدرسة عن السبب أشار إلى أنّه « يعود إلى الاتفاقية الثقافية بين البلدين التي تمّ تفعيلها بتونس سنة 2013 ثم صادقت عليها الحكومة العراقية في حين لم تصادق بعد الحكومة التونسية عليها». وأضاف أنّه «يتخرّج من المدرسة العراقية سنويا ما بين 60 و 100 طالب ولم يُقبل منهم مثلا في السنة الدراسية الماضية في التعليم العالي في تونس سوى ثلاثة والبقية إمّا يسجّلون في الجامعات الخاصة أو يضطرون إلى الدراسة في جامعات أجنبية».

وعبّر عن اعتزازه بالمدرسة التي لها من الطلبة القدامى من يتبوّأ حاليا مناصب عليا في بلدانهم منهم الوزير والمسؤول الكبير وهناك طالب تونسي من خريجي المدرسة يعمل حاليا في وكالة الفضاء الأمريكية «النازا». وحسب السيد عبد المنعم أحمد ارجيعة مدير المدرسة العربية الليبية بالعاصمة فإنّه «يسمح لطلاّب المدرسة الليبية الحاصلين على الثانوية العامة (البكالوريا ) بالدخول إلى الجامعات التونسية وفق الإجراءات المعتمدة في وزارة التعليم العالي التونسية كما يُقبلون أيضا في الجامعات الليبية». وأضاف قائلا : «إنّ الطالب الليبي يتمّ التعامل معه مثل الطالب التونسي وإنّ شهاداتنا لا تخضع للمعادلة لذا يسجّل خرّيج المدرسة الليبية بعد الثانوية العامة في الجامعات التونسية دون معادلة». أمّا بالنسبة إلى «المدرسة العربية» فهناك حسب مديرها السيد حامد الحرابي «معادلة آلية مع البكالوريا التونسية تسمح للخرّيجين منها بالتسجيل في الجامعات التونسية بصورة عادية وخاصة أبناء الموظفين القارين المقيمين في تونس ويبلغ عدد الذين يسجّلون في الجامعات التونسية نصف الخرّيجين تقريبا ويُختار النصف الآخر الدراسة الجامعية خارج تونس». ويؤكّد السيد الحرابي أيضا «أنّ الخرّيجين من المدرسة العربية يثنون على التعليم الذي تلقوه فيها ومنهم من يتحمّل حاليا مسؤوليات كبيرة في بلدانهم ويزورون المدرسة عند مجيئهم إلى تونس».

الدعم التونسي

أكّد المسؤولون عن هذه المدارس أنّهم يلقون التشجيع والدعم من الدولة التونسية. فحسب السيد حامد الحرابي «كانت الحكومة التونسية تضع على ذمّة المدرسة أساتذة تونسيين وتتكفّل بدفع رواتبهم لأنّ هذه المدرسة ليست قطْرية وإنّما هي قومية وتابعة لمنظمة قومية هي الجامعة العربية وتواصل ذلك حتى سنة 1998، ولما أصبحـــت المدرسة تعتمد في تمويلها على الرسوم الدراسية وفّرت الحكومة التونسية مقرا للمدرسة في إطــــار دعمــــها للجامعة العربية. كما تستفــــيد  المدرسة من مدرّســـــين تونـــسيين معارين لديهــــا عن طريق التعاون الفني».

أمّا السيد عبد الله السنوسي فيؤكّد «أنّ أساس توسيع تركيز المدارس الليبية في تونس يعود إلى تعاون تونس ودعمها للجالية الليبية في تونس أثناء فترة ثورة فيفري وتسهيلها أمور الدراسة لأبناء الجالية الليبية  للتخفيف من حدّة الوضع عليهم». كما أثنى مدير المدرسة العراقية د. محمد شمة علي على الدعم الذي تلقاه المدرسة من لدن السلطات التونسية.

وتبقى المدارس العربية في تونس صرحا مهمّا يقدم خدمات علمية وثقافية واجتماعية قيّمة لأبناء الأشقاء العرب في البلاد التونسيّة وهي تمثّل رصيدا مهمّا لها من محبّيها خارج الوطن..

خـالد الــشّــابي

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.