أخبار - 2017.01.02

عهدة الباجي قائد السبسي في ثلاثة مقاطع

عهدة الباجي قائد السبسي في ثلاثة مقاطع

عادة ما تقسّٓمُ الخماسية الرئاسية إلى فترتين كبيرتين من سنتين زائد ثلاثة، أو من ثلاث سنوات زائد اثنين، وذلك بحسب الوتيرة التي يراد إسنادها لهذه الخماسية. لكن الباجي قائد السبسي قرّر غير ذلك. فقد ظلّ إلى يوم الناس هذا مفضّلا العمل وِفْقَ تقسيمات أو مقاطع من 18 شهرا، قائمة بقوة ومتتالية الواحد تلو الآخر.

المقطع 1

من جانفي 2015 إلى جويلية 2016

الفترة الأولى تمتدّ من غرة جانفي 2015، تاريخ حلوله بقصر قرطاج، إلى 12 جويلية 2016 وهو اليوم الذي تمّ فيه التوقيع على ميثاق قرطاج، ووقع تمديدها إلى نهاية ديسمبر 2016. اتسمت هذه الفترة بهدوء سياسي وأفول التوترات واستقرار الأمن وتغيُّر الحكومة ودفع الاستثمار. فوقع الاختيار على الحبيب الصيد ليقود هذه المرحلة، الصيد شخصية تحظى بقبول على أوسع نطاق،  له إلمام دقيق بالجهاز الإداري وبالجهات. وتوفقت المؤسسة الأمنية خلال هذه الفترة وإلى حد كبير إلى كسب رضا التونسيين مجددا بعد أن كانت محل أخذ ورد. كل الآليات تحركت إذًا،  حتى وإن استدعى الأمر أحيانا إلى دفعها .

هنالك إشارات قوية ظهرت من بداية 2015: زيارة واشنطن ( أفريل 2015 ) التي اقترنت بقرار الرئيس أوباما منح تونس وضع البلد الحليف البارز غير العضو في منظمة شمال الأطلسي مع كل ما يترتب عن ذلك من امتيازات على مستوى الإسناد الأمني والعسكري، ثم زيارة باريس ( أفريل 2015 ) و مشاركة السبسي بوصفه ضيفا شرفيا في قمة مجموعة السبع في قصر المو - Elmau - بألمانيا ( جوان 2015 ) والتي توجت بحصول تعهد من البلدان السبعة الأكثر تصنيعا في العالم بمساندة تونس ودعمها.
وجاءت معركة بن قردان التي تكللت بنصر مبين في 7 مارس 2016 والتي تلقى فيها تنظيم داعش ضربة قاضية ساحقة بحيث لن تقوم له بعدها قائمة، وهو ما يحدث لأول مرة في المنطقة. انتصار بن قردان على الدواعش مؤشر على استعادة البلد لكل عنفوانه العسكري والأمني.

الأمن في المقام الأول، وبعده الاستثمار! كان لزاما على الباجي قائد السبسي بعد أنّ عبد الطريق بالنسبة إلى الأمن، أن يمر إلى المرحلة الموالية، وهي مرحلة الاستثمار وفِي البال ندوة تونس 2020 المقرّرة في نوفمبر 2016 . ثم شد الرحال إلى العربية السعودية قبل أن يسافر إلى الكويت ( 26 نوفمبر 2016 ) فالبحرين ( 27 جانفي 2016 ) فإمارة قطر ( 17 ماي 2016 ) فمقر منظمة الأمم المتحدة ( 19 سبتمبر 2016 بداية ) حيث التقى بالخصوص باراك أوباما وجون كري وكريستين لاغارد ( صندوق النقد الدولي ) وجيم يونغ  كيم ( البنك الدولي ) وقادة الشركات الأمريكية الكبرى ، وألقى خطابا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة . وعلى إثر انعقاد ندوة تونس 2020 للاستثمار التي تكللت بنجاح باهر، توجه في اليوم الموالي إلى بروكسيل حيث أجرى محادثات مع قادة المؤسسات الأوروبية الكبرى، ومن بينهم رئيس البرلمان الأوروبي ورئيس المجلس الأوروبي والممثلة السامية للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية وسياسة الأمن. وقوبل خطابه أمام البرلمان الأوروبي بتصفيق حارّ ( غرة ديسمبر 2016 ) . وكانت له بنفس المناسبة محادثة مع ملك بلجيكا فيليب .

وانصرف سعي  قائد السبسي في الأثناء إلى  تأمين الشأن السياسي وذهب في ذلك بتدرج، ما أثار بعض المفاجآت. من ذلك أنه قرر إبدال مدير ديوانه وأحلّ محله شابا يشهد له بالكفاءة العالية والاخلاص هو السيد سليم العزابي. وتمثلت أولى مبادراته حينذاك في تجاوز كل الإحباطات والتعسفات التي حصلت خلال السنوات الستين التي تلت الاستقلال ، فأطلق عملية مصالحة يراد بها طَي صفحة الماضي. وبمناسبة الاحتفال بالذكرى الستين للدبلوماسية يوم 2 ماي ، استقبل في قصر قرطاج كل سفراء تونس السابقين منذ الاستقلال ، سواء في عهد بورقيبة أو في عهد بن علي وأولئك الذين اشتغلوا بعد الثورة . وجوه بارزة كانت في الموعد جنبا إلى جنب لأول مرة منذ سنوات وسنوات. كانت علامات التأثر بادية على الوجوه. وبذلك ، وفِي غضون ساعة واحدة، طويت الصفحة نهائيا .

كانت تلك مجرد بداية.  جاءت بعدها بوقت قصير المرحلة الثانية. مرّ شهر على وجه التحديد قبل أن يصدع قائد السبسي ضمن حديث أدلى به للتلفزة الوطنية بإعلان مُدَوٍّ حينما عبر عن عدم رضاه تجاه حكومة الحبيب الصيد وأشار إلى عزمه على دفع إعطاء دفع قوي للساحة السياسية. ومشى قدما على هذا الدرب دون أن يكشف بالكامل عن حقيقة نواياه فجلب لاتفاق قرطاج الذي شهد النور على يده ( تم التوقيع عليه في 13 جويلية 2016 ) تسعة أحزاب وثلاث منظمات وطنية ، فأحدث ذلك رجة  قوية مؤدنة بذهاب الحبيب الصيد رئيس الحكومة. وعين بعده يوسف الشاهد وهو شاب في سن الحادية والاربعين ( في 3 أوت 2016 ) وهو ما فاجأ التونسيين. وواضح أن قبول قائد السبسي دعوة حزب النهضة لحضور افتتاح مؤتمره العاشر في حفل بهيج بملعب رادس الذي شهدإقبالا على نطاق واسع قد أثار انتباه الملاحظين. وأعلن بهذه المناسبة عن قرار النهضة بالتحول إلى حزب مدني وعصري . لقد كان الوفاق بين الشيخين في أوْجِهِ ما يبشر بأن الأمور ستجري بيسر كما أريد لها.

لقد تحقق الأرب وحصل المبتغى بالنسبة إلى الباجي قائد السبسي . كان له ما أراد: تمكين جيل سياسي جديد منبثق من أحزاب متعددة من تبوّء مكان الصدارة  في المشهد السياسي ومسك مقاليد القيادة السياسية ، ثم إعطاء دفع للعمل الحكومي وتسريع وتيرته.

وبذلك أمكن قطع هذه المرحلة الأولى الكبرى من عهدة رئاسة الباجي قائد السبسي بالكامل، وحان الدخول في مرحلة كبرى موالية.

المقطع 2

من ديسمبر 2016 إلى حدّ الانتخابات البلدية

الحاجة إلى جلب الاستثمار الذي بدونه لا يمكن توفير الشغل وإشاعة النماء تتطلب بالخصوص تأمين  سلامة بيئة الأعمال وإطلاق إصلاحات كبرى درءا للمخاطر والتهديدات الناشئة عن الجوار الليبي. لقد أصبح استقرار الأوضاع في ليبيا أولوية وطنية، فكان لزاما على الباجي قائد السبسي أن يأخذ هذه الأمور بجد وهو الحريص على القيام باتصالات لا تنقطع مع كافة الفصائل الفاعلة في ليبيا ومع جميع الأطراف الخارجية ذات الصِّلة. لقد تلقى دعوات تلو الأخرى من أجل القيام بوساطة بالنظر إلى ما يتمتع به مصداقية من الجميع، لكنه فضل عدم التدخل طالما أنّ الظروف المؤاتية والضامنة لتأمين نجاحه في مسعاه لم تتهيَّأْ بعد. هو يرفض رفضا مطلقا كل تدخل  ومتعلق بقوة بمزايا الحوار بين مختلف الأطراف الليبية ولا يرى مانعا في أن تتحرك بلدان الجوار الأقرب وخاصة الجزائر ومصر في اتجاه التهدئة المنشودة ، فسافر إلى الجزائر ( في 15 ديسمبر 2016 ) لطرح الموضوع مع صديقه من زمان ونظيره عبد العزيز بوتفليقه . وبعد أيام قليلة، أوفد وزيره للشؤون الخارجية خميس الجهيناوي لدى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، كل ذلك ساعد على فتح طريق لحلحلة الأمور، لكنه طريق طويل وشاق والنجاح فيه غير مضمون سلفا. الباجي قائد السبسي يعرف ذلك حق المعرفة، لكنه يرى أن هذا الجهد سيؤتي أكله ، وهو على قناعة تامة بذلك.

تحديات كبرى أخرى تواجه قائد السبسي خلال الثمانية عشر شهرا التي تبدأ انطلاقا من غرة جانفي 2017. ويمثل إجراء الانتخابات البلدية وبعدها الانتخابات الجهوية أحد أهم هذه التحديات الكبرى . بعد المصادقة على ميزانية الدولة وبعد تركيز كل المؤسسات الدستورية ، على الحكومة أن تبادر إلى معالجة ملف هذه الانتخابات التي ستشكل بلا ريب تحولا تاريخيا مهما . فلا بد إذًا من التصديق على المجلة الانتخابية وعلى المجلة الجديدة  للجماعات المحلية . على أن يتم كل ذلك قبل موفى شهر مارس القادم أو شهر أفريل كحد أقصى وفِي أفضل الأحوال حتى تتمكن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات من  اتخاذ كل الإجراءات اللوجستيكية اللازمة وإجراء الانتخابات البلدية على الأقل، وذلك قبل نهاية السنة الجارية.

سيجري هذا التنافس الانتخابي في 365 بلدية تغطي كامل تراب الجمهورية وسوف تشارك فيها لا فقط الأحزاب السياسية الصغرى منها والكبرى بل كذلك عدد كبير من القائمات المستقلة. عملية الاقتراع هذه ستأخذا طابعا قُرْبَويّا برهانات محلية حقيقية مقترنة تماما بانتظارات وبصورة مباشرة بانتظارات المواطنين ، وسوف يفضي بحسب التوقعات إلى تأكيد بروز بعض الأحزاب الوطنية الكبرى [ النهضة والكتلة الديمقراطية، الخ ] وكذلك وبالخصوص إلى تشرذم قوي للقائمات المستقلة.

ومن المؤكد حسبما تشير إليه بعض عمليات سبر الآراء الجدية أن عددا من التنظيمات التى تعودت أن تجد لها مكانا في المشهد سوف ستبارح المكان وأن وجوها ظلت بارزة إلى حد الآن قد يخبو نجمها. جيل جديد سوف يطل علينا من صناديق الاقتراع . المشهد السياسي سوف يتغير بالكامل. كل الأمور المعتادة بشتى معطياتها ستتغير.

ومن هنا ندرك أهمية القراءة التي سيقدمها الباجي قائد السبسي لكل هذه المستجدات الكبرى المتوقعة.

المقطع الثالث

من نهاية الانتخابات البلدية إلى نهاية الخماسية، ديسمبر 2019

حينما يتم الإعلان عن نتائج لانتخابات تلك التي ستجرى في موفى 2017، والأخرى التي ستجري في مطلع 2018، سوف لن يبقى للباجي قائد السبسي غير 20 شهرا على أقصى تقدير ليكمل المهمّة . فماذا يدور في خلده فعلا؟ ما من أحد بوسعه أن يجيب على هذا السؤال مسبقا. الناس جميعا بمن فيهم كل المعاونين القريبين من  قائد السبسي سيعلمون ذلك في اليوم الذي يقدم فيه قائد السبسي بنفسه هذه الإجابة... وحينها ستكون المفاجأة الكبرى بالنسبة إلى الطبقة السياسية والتونسيين  جميعا.

 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.