أخبار - 2016.12.31

الباجي قايد السبسي: طبع بلا تطبّع

الباجي قايد السبسي: طبع بلا تطبّع

طبع الباجي قايد السبسي جبلضة وسجية، لا تكلّف فيه ولا تطبّع. تجري الكلمات على لسانه عذبة لطيفة، لا تشوبها شائبة... تتخلّلها أحيانا أبيات شعر أو مقتطفات قرآنية أو أمثلة مأثورة في البلاد أو مُلح وحكايات شعبية وألفاظ منتقاة. هو ساحر، يأسرك بحديثه.. يترك أجمل الأثر في النفوس.

هل يحنق؟ هل ينزعج بسهولة؟ هل يشتدّ غضبه في بعض الأحيان؟ لا أبدا. غضبه بارد، غير جلدي، يرد الأمور إلى مجاريها بسرعة وبكل بساطة وبقدر كبير من الأريحية والقبول .في ردة فعله لطف، فلا يفاجئك ولا يغيضك أبدا...
ما يثير انزعاجه بشكل خاصّ هو عدم احترام الدولة ومؤسساتها ورموزها. بوسعه تماما أن يغفر لأحد معاونيه تقاعسه في تحضير ملف من الملفات، لكنّه لا يسمح أبدا بأيّ إخلال في حق الدولة  وبالنيل من هيبتها والحطّ من شأنها..
يفضّل قايد السبسي أن يلازم الصمت حينما يتفطّن لهذه التجاوزات المشينة. الصمت عنده في هذه الحالة تعبير عن الاستنكار والغضب يتخذه ملاذا وملجأ. لكن هذه الأشياء المقيتة تثير انشغاله وتشحذ همومه فينتابه شعور بالمرارة وسوء الظن. قد توجعه بعض هذه المواقف والسلوكات الرعناء وقد تحزّ في نفسه، لكنه يكظم الغيظ ويتحصّن بالكتمان والنسيان ويفضّل طيّ الصفحة دونما ضيم ودونما حقد.. السياسة في نظره تبقى مسألة جدية وبهذا المعنى تكون مقترنة بالمسؤولية. قايد السبسي يأبى التصلّب الفكري ويرفض التشبّث المفرط بأفكاره. يقول لك إنك نبّهته إلى بعض الأمور وإنّه لم يعرها الاهتمام اللازم، أو إنّه أهمل توصياتك.
قايد السبسي مواضب إلى أبعد حدّ، حريص كأشدّ ما يكون الحرص، على إنجاز مواعيده في مواقيتها تماما لا يقدّم ولا يؤخر، فلا يترك زائرا في حالة انتظار ولو أدّى به الأمر إلى قطع مقابلة وتعليق حديث مع أحد معاونيه، دأبه أن تجري الأمور على أحسن ما يرام وأفضل وجه وأن لا يشوبها أي إخلال أو تقصير. يسهر على أن تسير الأمور كما يراد لها أن تسير بالضبط وبإحكام .

نقاط القوة لديه

الباجي قايد السبسي يعرف تونس كما لا يعرفها أحد؛ هو خبير بشؤون السياسة، عينه بصيرة على كلّ الذين يدورون في فلكها، خبير بالإدارة، خبير بالأُسر. اشتغل سفيرا ( في باريس وفي برلين ) وشغل منصب وزير للشؤون الخارجية، فكانت له صداقات عديدة في شتى أصقاع العالم.

حينما يعزم على السفر، يعرف تماما إلى أية وجهة سيتّجه ومن سيقابل. ولا يخلو جرابه من ذكرى يثيرها ولا يتخلّف عن ذكر شخص عن في ذهنه ولا تفوته مقولة حان وقت استحضارها. يدهشك بحضور بديهته وسرعة جوابه وتوقّد ذهنه وخفة روحه ووجاهة كلامه.

هو شديد الحرص على تكييف خطابه وفق ما يتطلّبه الحال ويجاري ما عسى أن يحدث من تطورات غير محسوبة خلال اللقاء، وبصرف النظر عمّا تهيّأ له من مذكّرات ومن خطاب تم تحريره مسبقا.
هو " زبون محبّب" لدى الصحفيين... يقدّم لهم خلاصة أقواله فيترك ذلك انطباعا قويّا ومبهرا لديهم . ولا شك أنكم تتذكرون تلك الجملة التي نطق بها في خضمّ الحملة الانتخابية متوجّها بها حينذاك لحركة النهضة وللمرزوقي معا : " لا غول ولا مهبول، نحبّوه حاكم مسؤول ". كلام كهذا صدر عنه في أكثر من مناسبة من قبيل:

  • "حينما تمدّون لنا يد المساعة فأنتم تساعدون أنفسكم" ( يعني أوروبا )
  • "نعايش الزمن الراهن ونبقى على إخلاصنا لأصولنا ولقيمنا"
  • "الحالة المدنية لا تهمّ كثيرا، الحالة الذهنية هي الأهمّ"
  • "الاتفاق على حلّ وسط والانخراط في المشبوه أمران مختلفان تماما"
  • "الديمقراطية لا تُملى قسرا، إنما تُمارس وتُبنى"
  • "المهمّ والأهم"
  • "لا بدّ من قدر أدنى من أسباب الراحة حتى يمكن اتباع الفضيلة"

أفضل استشهاداته

يقتبس قايد السبسي من القرآن الكريم ومن الشعر العربي والشعر المعاصر ومن الأمثلة الشعبية كثيرا من الأقوال يستشهد بها عند الاقتضاء وعلى سبيل الشرح والإقناع.
لقد أتى في كتابه " تونس، الديمقراطية في بلاد الإسلام " على ذكر آيتين من القرآن الكريم:

  • "فأمّا الزبد فيذهب جفاء وأمّا ما ينفع الناس فيمكث في الأرض"  ـ الرعد . 17 ـ
  • "إنّ الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم" ـ الرعد . 11 .

يأتي دائما بالجملة المناسبة في السياق المناسب، يتلوها عن ظهر قلب، يجتنيها من ذاكرته الوقّادة ...

شعاره ودَيدَنُهُ

"اعمل ما لا منه بد، ولا عليك"

نقاط الضعف لديه

مشكلة قايد السبسي أنّه عمد في غمرة إنشائه لحزب النداء إلى فتح الباب على مصراعيه لكل من هبّ ودبّ دون غربلة ودون انتقاء. مزاجه الأبوي يدفعه إلى العفو والنسيان وطيّ الصفحة بسرعة. هو لا يريد الوقوف طويلا عند التفاصيل، فتتراكم المشاكل ويغيب الحسم ويترك الحبل على الغارب لمعاونيه دون ملاحقة أو متابعة  للأعمال اليومية الموكولة إليهم. كان هذا هو الأسلوب الذي اعتمده لمّا كان في المعارضة على رأس حزب نداء تونس وبعد ذلك في قصر الرئاسة بقرطاج.
نقاط ضعفه تبقى في الواقع في تنافر مع نقاط القوة لديه. قايد السبسي خطيب مصقع، يأخذ بمسامع الناس حينما يدلي بتصريحاته ويلقي خطبه ارتجالا، لكن قدرته على الخطابة تتقلّص حينما يكتفي بتلاوة نص أُعدّ له إعدادا حتى وإن وشّحه بأفكار من وحي خاطره وضمّنه إعلانا عن قرارات لم ترد في النص المكتوب .

قايد السبسي يأتي بالعجب العجاب حينما يرخي من عنانه. حينذاك يأخذ بمجامع قلوب التونسيين كلّما يتناول الكلمة في الأوقات الرهيبة، حينما يدلهمّ الأفق وتحدق الأخطار بالوطن .
نقطة ضعف أخرى تلصق بقايد السبسي هي الأرقام التي كثيرا ما تختلط عليه. هو لا يختلف عن بورقيبة على هذا المستوى، بورقيبة الذي لا يفقه الاقتصاد. لكن لقايد السبسي طاقة عجيبة على الفهم السريع فتسعفه قوة الذاكرة. يصرف اهتمامه إلى التوجّهات الاقتصادية الكبرى ويحتفظ في الذاكرة ببعض المؤشرات الأساسية فلا يتردّد في منازعة من يأتيه بعد ذلك بأرقام غير تلك التي قدّمها سالفا، فيُصرّ حينها على معرفة الأسباب التي تكمن وراء هذا الاختلاف

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.