أخبار - 2016.12.31

رســــالـــــة "‬الحــــــاجّ"‭ ‬‭ ‬بـــورڤيبـــــة إلى‭ ‬محمّــد‭ ‬علــي‭ ‬الطاهـــــر

رســــالـــــة  "‬الحــــــاجّ"‭ ‬‭ ‬بـــورڤيبـــــة إلى‭ ‬محمّــد‭ ‬علــي‭ ‬الطاهـــــر

ننشر في هذا العدد وثيقة نادرة تتمثّل في رسالة وجّهها الزعيم الحبيب بورقيبة إلى صديقه المناضل والصحفي الفلسطيني محمّد علي الطاهر، من مكّة المكرّمة بعد أن أدّى مناسك الحجّ في نوفمبر 1945. وقد حصلنا على نسخة من هذه الرسالة  بمساعدة من المدير العام للأرشيف الوطني، السيّد الهادي جلّاب. وهي المرّة الأولى التي تُعرض فيها هذه الوثيقة بخطّ يد بورقيبة، إذ اكتفى محمّد علي طاهر بإدراج نصّها مرقونا في كتابه «رسائل بورقيبة» الصادر سنة 1966.

لاتخلو الرسالة من أهميّة تاريخيّة، فهي تلقي الضوء على زيارة الزعيم إلى السعوديّة في ذلك العام، في سياق نشاطه السياسي والدعائي للقضيّة التونسيّة، إبّان هجرته إلى المشرق العربي وإقامته بالقاهرة بعد خروجه سرّا من تونس، في أواخر مارس 1945 قبل عودته إلى أرض الوطن في سبتمبر 1949.

تفيد الرسالة أنّ بورقيبة أدّى مناسك الحجّ  في عام 1945، في حين أنّه لم يذكر في أيّ من خطبه أو محاضراته أنّه  قام بهذه الفريضة، بل أوضح  فقط أنّه، سعيا منه إلى الخروج من تونس إثر انتهاء الحرب العالميّة الثانية، وجّه إلى المقيم العام الجنرال ماست رسالة للسماح له بمغادرة تونس لأداء فريضة الحجّ والتحوّل إلى الاسكندرية في طريق العودة لحضور مؤتمر كان يرمي إلى تأسيس الجامعة العربية، لكنّ طلبه قوبل بالرفض.(1)

كما نعلم من خلال الوثيقة أنّ بورقيبة اجتمع بالمناسبة ببعثات شمال أفريقيا وبالوفد التونسي بالخصوص، فموسم الحجّ يتيح الفرصة لإجراء مثل هذه اللقاءات والاتصالات، كما استقبله الملك عبد العزيز (1876 - 1953) الذي من المرجّح أنّه سلّمه مساعدة ماليّة. كما تقابل الزعيم بورقيبة مع المجاهد الليبي البشـير السعـداوي (1884 - 1957الذي عمــل مستشــارا لدى الملك عبد العزيز من سنة 1938 إلى سنة 1947 والمجاهد الليبي الآخر خالد القرقني (1882 - 1971) الذي شغل المنصب نفسه في بلاط العاهل السعودي قبل أن يعود إلى وطنه سنة 1953.

والتقى بورقيبة كذلك أمير الحجّ المصـــري وعبد الحميد بدوي باشا(1887 - 1965) الذي شغل منصب وزير للمالية عام 1940 في حكومة حسين سرّي ومنصب وزير الخارحيّة عام 1945 في حكومة النقراشي في مصر. ونكتشف من خلال الرسالة  أنّ بورقيبة كان يرغب في زيارة العراق، وقد تحادث في ذلك بالخصوص مع جميل باشا الراوي مندوب العراق المفوّض. وعلى الرغم ممّا كان سيكابده من مشقّة وعناء نظرا لطول مدّة السفر التي تقدّر بعشرين يوما و«بعد المسافة وقلّة وسائل النقل في صحراء نجد»، فإنّ بورقيبة أعلم تحسين العسكري سفير العراق بالقاهرة الذي كان موجودا آنذاك في بغداد برغبته في أداء هذه الزيارة وطلب منه إعداد العدّة لها في صورة تعذّر بقائه ببغداد إلى تاريخ وصوله إليها. وتجدر الإشارة إلى أنّ السفير العراقي قد أسدى العديد من الخدمات لبورقيبة ورفاقه، فهو الذي أرسل جوازات سفر عراقية إلى عدد من رموز الحركة الوطنية الذين لجأوا إلى مدريد بعد انتهاء الحرب العالميّة الثانية، وذلك للالتحاق بالقاهرة، ومنهم المنجي سليم والحبيب ثامر والرشيد ادريس والطيب سليم ويوسف الرويسي.

وسنعلم من خلال رسالة أخرى بعث بها بورقيبة إلى محمّد علي الطاهر في شهر ديسمبر 1945 من مدينة جدّة أنّه قرّر الرجوع إلى مصر لإجراء ترتيب مع السفير العراقي بالقاهـــرة «للقيام بجولة مستقلّة في كامل البلاد بعد التحقّق من قدوم الأخوان اللاجئين في مدريد»كما تلفت الرسالة الصادرة عن بورقيبة من مكّة النظر إلى أمرين إثنين، أوّلهما شغف بورقيبة بالأدب، فقد عزم على زيارة الطائف قبل الذهاب إلى المدينة المنوّرة والّذي رغّبه في ذلك وصف السياسي والأديب اللبناني الأمير شكيب أرسلان لهذه المدينة في كتابه «الارتسامات اللطاف»، والأمر الثاني، اندهاش بورقيبة من العزلة التي يشعر بها المرء في مكّة بسبب انعدام الأخبار والصحف بها، ممّا يؤكّد حـرص بورقيبة على متابعـة ما يستجدّ في العالم من خلال وسائل الإعلام.

(1) أنظر كتاب «بورقيبة بلسان بورقيبة، محاضرات بورقيبة بمعهد الصحافة عن تاريخ الحركة الوطنيّة (حياتي، آرائي، جهادي)»، الإعداد والمراجعة والتعليق: عبد الجليل بوقرّة، التقديم : سعيد بحيرة، دار آفاق- برسفكتيف للنشر، ص 222 و233).

 

عبد الحفيظ الهرقام

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.