أخبار - 2016.12.19

محمد الطرابلسي: شخصية ذات أبعاد متعدّدة

شخصية ذات أبعاد متعدّدة

كيف يمكن لنقابيّ أن يجلس في الطرف الآخر أمام زملاء الأمس، مفاوضا باسم الحكومة، مدافعا عن سياستها وبرامجها، خاصّة إذا كانت بعهدته ملفّات اجتماعية حارقة، تثير أحيانا الجدل والاختلاف؟ هل من السهل التوفيق بين ما تفرضه الوظيفة الوزارية من التزام سياسي وما تلبّس بالعقل والوجدان على مرّ السنين من رؤى وقناعات ومشاعر؟

تبادر إلى الذهن هذان السؤالان لمّا دخل محمّد الطرابلسي مستقلّا حكومة يوسف الشاهد، وزيرا للشؤون الاجتماعية، بدعم من الاتحاد العام التونسي للشغل، شأنه شأن زميله النقابي عبيد البريكي، وزير الوظيفة العمومية والحوكمة، وهو منحى غير مسبوق فضّلته المنظمة الشغيلة هذه المرّة لتكون جزءا من الدولة ولا جزءا من السلطة فتمارس باستقلالية دورا مزدوجا، فيه مساندة ونقد للحكومة وفق ما يصدر عنها من توجّهات ومواقف، في تجربة مختلفة عن تلك التي خاضتها في بداية الاستقلال عندما قبلت الانضمام إلى حكومة بورقيبة للمشاركة في بناء الدولة وتنفيذ برنامجها الاقتصادي والاجتماعي الذي تبنّاه الحزب الحرّ الدستوري وكذلك في فترة السبعينات عندما تولّى المرحوم فرحات الدشراوي وزارة الشؤون الاجتماعية.

مزاج جديد... ومرحلة تأقلم

دخل محمّد الطرابلسي الوزارة بشارع باب بنات في أواخر أوت الماضي بمزاج جديد، بعد أن زال عنه التوجّس والانقباض اللذان كانا يلازمانه في سنوات خلت كلّما حضر ضمن وفد الاتحاد اجتماعا مع الجانب الحكومي الذي ينتابه أحيانا التشنّج وينزع إلى الاستفزاز فينفضّ اللقاء دون نتيجة. لكنّ السياق السياسي تغيّر اليوم، في ظلّ مناخ الحريّة والتسامح وقبول الآخر وتقاربت خطوط رسم المسؤوليات بين الحكومة والطرف النقابي وبدأ يتكرّس مفهوم الديمقراطية التشاركية، وهو ما شجّع محمّد الطرابلسي على تحمّل المسؤولية الوزارية ولا يخفي الرجل أنّه يمرّ بمرحلة تأقلم مع منصبه الوزاري فصورة النقابي لا تزال لاصقة به إذ أنّ البعض من زملائه في الحكومة كثيرا ما يوجّهون له عن غير قصد نظرات لا يغيب عنه معناها، كلّما طُرح موضوع يهمّ اتحاد الشغل.

النقابي والسياسي والإعلامي والمثقّف

غير أنّ محمّد الطرابلسي يبدو شديد الاعتزاز بخلفيته النقابية التي تغذّت منذ الصغر إذ كان والده أحد مؤسّسي اتحاد النقابات المستقلّة في الجنوب سنة 1944 والتي ستكون رافدا من روافد الاتحاد العام التونسي للشغل عند تأسيسه. هذه الخلفية صهرتها كذلك تجارب راكمها كعضو للمكتب التنفيذي للاتحاد لسنوات عديدة، ثمّ على المستوى الدولي من خلال مشاركاته المتعدّدة، كمسؤول عن العلاقات الدولية في اجتماعات وأنشطة منظمة العمل العربية والكنفيدرالية العالمية للنقابات الحرّة ومكتب العمل الدولي الذي عيّنه مديرا بمكتبه الإقليمي بالقاهرة، إلى جانب مهامّ أخرى قام بها في الساحة النقابية العالميّة، ممّا أكسبه إشعاعا دوليّا. ويشهد القريبون منه أنّ علاقاته المتينة بحسين العباسي وبزملائه في ساحة محمّد علي ساعدت كثيرا على تلطيف الأجواء بين الحكومة والاتحاد وعلى حلّ العديد من الإشكاليات، فضلا عن معرفته الدقيقة بالشأن النقابي من الداخل الذي لا شكّ في أنّه يتابع من موقعه الجديد كلّ تحوّلاته المرتقبة قبيل انعقاد مؤتمر المنظمة الشغيلة وبعده.

وليس البعد النقابي المكوّن الوحيد لشخصية محمّد الطرابلسي، فلوزير الشؤون الاجتماعية تكوين سياسي متين، حيث انتسب منذ سنّ السادسة عشرة إلى مجموعة «آفاق» اليسارية وكان عنصرا ناشطا في الحركة التلمذية واختلط في الجامعة بالأوساط المسيّسة قبل أن يثري تجربته السياسية من خلال تمثيله للاتحاد العام التونسي للشغل في عدّة هياكل وطنية، منها المجلس الاقتصادي والاجتماعي.

وقد يحمل التكوين الأكاديمي لمحمّد الطرابلسي في المجال الإعلامي وممارسته للعمل الصحفي من خلال إشرافه على جريدة «الشعب» لسان حال الاتحاد على إيلاء قدر أكبر من الاهتمام للجانب الاتصالي في نشاط وزارة ذات أهميّة استراتيجية لما لها من علاقة بالأمن الاجتماعي وذلك بطرح ملفّات جوهريّة كإصلاح الصناديق الاجتماعية وتطوير العمل الاجتماعي في وسائل الإعلام بعمق وبأسلوب منهجي.

ويُحسب للوزير ما أبداه منذ الأيّام الأولى من عناية بثقافة المؤسسات وبالتنشيط الثقافي فيها من خـلال إحداث وحدة معنية بهذا الشأن، ممّا يؤكّد حسّه الثقافي والفني الذي يتميّز به منذ طفولته حيث مارس التمثيل واهتـمّ بالمسرح باعتباره «مدرسة للديمقراطية والتـواصل» في إطار نادي البحوث المسـرحيّة بصفـاقس.

عبد الحفيظ الهرقام

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.