يوميات‭ ‬مواطن‭ ‬عيّاش: مـــريّــــــش‭ ‬ويشيّـــــــش‭ !‬

يوميات‭ ‬مواطن‭ ‬عيّاش: مـــريّــــــش‭ ‬ويشيّـــــــش‭ !‬

منذ عرفت العيّاش، عرفتو شيّاش، فكأنما ولد وفي يده جبّاد، أو كأنّ أمّه فطمته على المعسّل من دون باقي لولاد. فهو كل يوم يشيّش، ولو يبدا «تر» مريّش، الراجل ما يعرفشي حدودو، وعلى الشيشة، يبيع جرودوفإذا لم يبق في جيبه دورو، يدور يتسلّف لأن المعسّل قبل فطورو. وبالفعل فإن الشيشة تبدأ مع العياش قبل قهوة الصباح، وتستمر حتى وقت المرواح، وقد أسدل الليل ستاره، بينما عدّل صاحبي أوتـاره، بعد أن دخّن رابع أو خامس شيشة، ودون هذه «الدوزة» يخاف تطلعلو الحشيشة، ويولّي كيف ما في رمضان، يتلكّش من غير سبب على أي إنسان.

ولأن حب الشيشة في العياش متأصل، فإن الجبّاد لا يفارقه ولا باكو المعسّل، يدور بيهم في قفة قابسية، جابهالو واحد صاحبو هديةوالجبّاد يلازمه، لخوف صاحبي من عدوى تفاجؤو، أما باكو المعسل فمن باب الاقتصاد وليس من باب الترف، بحيث ما يخلص القهواجي كان في الشقف.

وكم قلت للعياش إن من يخاف على صحته، ويشفق على ميزانيته، يفك عليه م الشيشة مرة وحده، لا يخشى بعدها ضيق نفس أو فدّة، وليبحث عن وسيلة أخرى للترفيه، والماء الماشي للسدرة الزيتونة أولى بيهلكن العياش كان في كل مرة يسمع ويفلّت، متخذا من نصائحي موقف الرافض   المتعنّت.

وذات يوم جاءني العياش إلى الإدارة، حاملا معه البشـــــــارة: «ça y est، حلفت على الشيشة بأغلظ الأيمان، ولن يكون لها في حياتي مكان»، فأسرعت إلى تهنئته بحراره، سائلا إيّاه كيف اتخذ قراره.

قال العياش: «حدث ذلك ذات مساء، عندما لم يبق في المقهى أحد غيري من الحرفاء. كان النادل يجمع ما تبقى من الكؤوس والقوارير، في انتظار ذهاب الحريف الأخير، الذي هو عبدكم الحقير، وكنت مع شيشتي الأخيرة في حوار، وأنا أتابع  بنصف عين على التلفزة آخر الأخبار.

وبينما كنت مستغرقا في أحلى الأحلام، لا يعكر صفوها لا سلام ولا كلام، شاهدت أمامي فجأة شبحا يتصاعد إلى السماء، وسط دخان الشيشة الذي ملأ الفضاء... حدّقت مليا فإذا بالشبح يتخذ شيئا فشيئا شكل جنّي عملاق، سدّ عليّ كل الآفاق، مثل ذلك الذي نراه في قصص «ألف ليلة وليلة»، بل زاد عليه بلحية كثة طويلة.

ارتعدت فرائصي بالكمال والتمام، وتعطلت في حلقي لغة الكلام، عندما خاطبني الجنّي، بصوت جهوري، ردّدت صداه جدران المقهى وكل الحي :«حبيك لبيك، م الشرق يجيك، م الغرب يجيك، كل ما تشتهيه يكون في لحظة بين إيديك».

وقبل أن أتمالك نفسي، وأستعيد رباطة جأشي، لم أدر كيف خرج الجواب من بين شفتي دون سابق تأمّل: من فضلك، شيشة وكرتوشة معسل». وانطلقت من الجني ضحكة خلخلت النوافذ والأبواب، عندما سمع مني هذا الجواب، ثم قال في نبرة كلها احتقار: «أهذا طلبك أيها الحمار؟ عليك بالنادل لمثل هذا الأمر اليسير، أما أنا فقد سخرت للأمر الكبير».

وفجأة وجدت النادل واقفا أمامي: «يا معلم خلصني في الحساب، رانا من بكري سكّرنا الباب»، فأجبته  وأنا بين يقظة ومنام، وقد ثقل على لساني الكلام: إيه؟ وفيني الشيشة وكرتوشة المعسل لي قال عليهم العفريت؟»جحظت عينا النادل المسكين ونظر إليّ، وكأنه أصابه شك في مداركي العقلية، ثم قال: «الله يجبر لك يا معلّم! عن أي عفريت تتكلم؟ يظهر لي يا صاحبي الشيشة شربت لك عقلك، أيه خلصني من فضلك!».

قال العياش: «وهل تريد يا صاحبي بعد هذه الفضيحة العالمية، ألاّ أطلّق الشيشة بالثلاث، وهي أصل  البلية؟».

عادل الأحمر

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.