أخبار - 2016.11.18

المشهد‭ ‬السمعي‭ ‬البصري‭ ‬في‭ ‬تونس: سلاح بن أيدي لوبيات المال والسياسة

المشهد‭ ‬السمعي‭ ‬البصري‭ ‬في‭ ‬تونس: سلاح بن أيدي لوبيات المال والسياسة

مع مرور الزمن بدأت تتضّح شيئا فشيئا خيوط اللعبة في المشهد الإعلامي والاتصالي في تونس اليوم، إذ لم يعد خافيا أنّ العديد من القنوات الإذاعية والتلفزية باتت أدواتٍ توظّفها لوبيات المال والسياسة في توجيه الرأي العام والتأثير في العامّة وصنّاع القرار. وقد دفع بعض أصحاب النفوذ المالي والسياسي  بأشخاص ممّن لهم دراية بالإنتاج الإعلامي والتسيير الإداري إلى الواجهة قصد الحصول على إجازة البثّ وتشغيل القناة، ليبقوا هم وراء الستار، ماسكين بزمام الأمور، يحدّدون الخيارات البرامجية ويرسمون خطط التحرّك حسب ما تقضيه أهدافهم.

وقد اتُبعت هذه الطريقة كمخرج لتجاوز ما ينصّ عليه الفصل التاسع من كراس الشروط الذي أعدته الهايكا للحصول على إجازة إحداث واستغلال قناة تلفزية خاصّة، إذ بمقتضاه «يلتزم الحاصل (ة) بأنّ لا يكون منتميا لحزب سياسي. كما يلتزم بأن لا يتمّ تسيير المنشأة الإعلامية من طرف مسؤول أو قيادي أو عضو في هيكل قيادي لحزب سياسي». وقد استندت الهايكا سنة 2014 إلى هذا الفصل لرفض منح إجازة لقناة «الزيتونة»، نظرا إلى أنّ ممثّلها القانوني آنذاك «كان عضوا في حركة النهضة» مع دعوة هذه القناة إلى تسوية وضعيتها غير أنّها واصلت البثّ رغم قرار حجز معدّاتها وقد أثارت هذه القضية جدلا واسعا في الأوساط الإعلامية في ذلك الحين . واستنادا إلى الفصل نفسه تمّ في مرحلة أولى رفض منح الإجازة لقناة «الجنوبية» بسبب «انتماء ممثلها القانوني  إلى حزب سياسي» قبل منحها الإجازة بعد حلّ الإشكال القانوني.

نقاط استفهام

أكثر من نقطة استفهام تُطرح حول تمويل العديد من القنوات الخاصّة ومصادره. كيف تستطيع كلّ هذه القنوات أن تصمد في محيط يحتدم فيه التنافس وأن تحصل على حصّتها من الإشهار باعتباره موردها الأساسي، إنّ لم نقل الوحيد؟

فسوق الإشهار تبدو غير قادرة على الاتّساع لهذا الكمّ الهائل من القنوات الإذاعية والتلفزية. وحسب مؤسسة «سيغما كونساي» حصلت القنوات التلفزية سنة 2015 على مبلغ قدره 139,3 مليون دينار من مجمل الاستثمارات في مجال الإشهار، 70 بالمائة منها تقريبا كانت من نصيب «نسمة» و«الحوار التونسي» و«التاسعة» في حين بلغت حصّة القنوات الإذاعية من هذه الاستثمارات 32 مليون دينار وقد استأثرت «موزاييك أف.أم» و«جوهرة أف.أم» و«شمس أف.أم» بقرابة 90 بالمائة منهاوما عدا هذه القلّة القليلة من القنوات، فإنّ البقية الباقية تواجه صعوبات ماليّة حادّة تهددّها بالزوال والاندثار.

 

ولا نتصوّر أنّ دعم الدولة للقنوات الإذاعية في شكل تخفيض في تعريفة البثّ الذي يؤمّنه الديوان الوطني للإرسال الإذاعي ولا المنحة المقدّمة للإذاعات الجمعياتية من شأنهما أن يحلّا مشكل القنوات المالي، بقدر ما يمثّلان مساهمة في تخفيف حدّته. لذلك تظلّ قضية شفافيّة التمويل قائمة.

ولمّا كانت الشفافيّة الماليّة أحد الشروط المطلوبة من كلّ قناة  وعلامة من علامات استقلاليتها إزاء قوى النفوذ المالي والسياسي، شرعت الهايكا منذ الصائفة الماضية في النظر في الشفافيّة الماليّة لعدد من القنوات، من خلال زيارات ميدانية إلى مقرّاتها ومطالبة المشرفين عليها بمدّها بالوثائق الماليّة. لكنّ السؤال الذي يتعيّن طرحه: هل تقتصر هذه المراقبة على عدد محدود من القنوات أم أنّها ستنسحب على قنوات أخرى بعيدا عن منطق الانتقائية وحرصا على تطبيق القانون على الجميع؟

عبد الحفيظ الهرقام

لقراءة المزيد:

المشهد السمعي البصري في تونس: الفوضى والشفافيّة المفــقودة

المشهد السمعي البصري في تونس: تجهيزات مهرّبة وخروقات بالجملة

المشهد السمعي البصري في تونسالتوازن المفقود بين الكمّ والكيف

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.