أخبار - 2016.11.19

المشهد‭ ‬السمعي‭ ‬البصري‭ ‬في‭ ‬تونس: التوازن المفقود بين الكمّ والكيف

المشهد‭ ‬السمعي‭ ‬البصري‭ ‬في‭ ‬تونس: التوازن المفقود بين الكمّ والكيف

غنيّ عن البيان أنّ  وفرة العرض البرامجي تتيح للمتلقي خيارات متعدّدة، علاوة على كونها تساهم في تطوير الصناعة السمعية والبصرية على صعيدي البنية التحتيّة والإنتاج. بيد أنّ لنا أن نتساءل عمّا إذا أدّت هذه الوفرة إلى تنويع المضامين وتجويدها في ظلّ مناخ حريّة التعبير والإبداع.

والردّ على هذا السؤال يستوجب، بلا شكّ، القيام بدراسات علميّة معمّقة تستند إلى أدوات نقديّة صارمة. لذلك ليس بوسعنا إلّا إبداء  ملاحظات قد تغلب عليها الانطباعية والآراء الذاتية.

تلفزيّا، يمكن القول إنّ كثافة البرامج الحواريّة ذات الطابع السياسي أساسا أضحت إحدى السمات الغالبة على الشاشة فلا تكاد تخلو برمجة قناة من هذا الجنس البرامجي الذي يعتمد على الاستقصاء وإلقاء الضوء على الأحداث اعتمادا على محلّلين وخبراء، البعض منهم أصبح يتنقّل من «بلاتو» إلى آخر، كأنّ البديل قد انتفى في بلد يعجّ بالكفاءات في مختلف الاختصاصات. وغالبا ما تتحوّل هذه البرامج إلى حلبة للعراك وتبادل الشتائم والتهم بين المشاركين فيها بعد أن يكونوا قد وقعوا في شراك الاستفزاز المنصوب عن قصد بحثا عن الإثارة والحصول على أعلى نسبة مشاهدة. كما غدا تحقيق الضجّة الإعلامية (buzz) هدفا مشتركا بين القنوات من خلال تضخيم الحدث، حتّى وإن بدا تافها، ومسرحة المأساة البشرية في برامج «تليفزيون الواقع»، فضلا عن استنساخ أنماط جاهزة ومستوردة في حصص المنوّعات والألعاب، فيما اكتسحت الموادّ الترفيهية مساحات واسعة في البرمجة، على حساب موّاد أخرى، في مجالات هامّة كالثقافة والوثائقيّات والعلوم  بشتّى أصنافها، مع تحقيق تقدّم لافت في مستوى تقنيات الإبهار، من حيث الإضاءة والتصوير وهندسة الديكور.

ولعلّ من  بين العلامات المضيئة في المشهد التلفزي التي ينبغي الإشارة إليها، ما قدّمته قنوات «نسمة» و«حنّبعل» و«الحوار التونسي» و«التاسعة» إلى جانب «الوطنيّة» من إنتاجات في مجال الدراما، خلال شهر رمضان الماضي، على الرغم ممّا شابها، من هنات، ممّا يمهّد الطريق لقيام صناعة دراميّة تونسيّة.

أمّا في ميدان الإذاعة، فإنّ أبرز ما يمكن ملاحظته هو أنّ جملة من محطّات خاصّة أنشئت بعد 14 جانفي 2011 بدأت تشقّ طريقها بثبات لتتبوّأ مواقع لها في المشهد الوطني ، من خلال ممارستها لإعلام القرب في المناطق التي تغطيها، رغم احتدام المنافسة والصعوبات الماليّة التي تواججها، على غرار «ابتسامة أف. أم» (تونس الكبرى) وراديو ماد (نابل) و«كاب أف. أم» (الحمامات) و«صبرة أف. أم»(القيروانوراديو «الديوان» (صفاقس) ...، ممّا أضفى حركيّة أكبر على القطاع. غير أنّ درجة الحرفيّة  والتميّز وروح الابتكار تختلف من محطّة إلى أخرى.

أمّا المحطات الجمعياتية، فإنّها تصارع من أجل البقاء بسبب ندرة الموارد الماليّة  ونقص المؤهلات المهنيّة لدى العاملين فيها. ولا ندري كيف يمكن أن تستمرّ هذه التجربة الوليدة، في ظلّ أوضاع هشّة.

 

في مشهد سمعي بصري موسوم بسطوة الكمّ وبضحالة المضامين أحيانا يبقى دور القطاع العمومي محوريّا في تعديله، من خلال ضمان تنوّع المنتوج وجودته لسدّ كلّ الثغرات والنقائص، انطلاقا ممّا حُدّد له من وظائف في مجالات الإخبار والترفيه والتثقيف، وهو ما يستدعي الإسراع بإصلاح المرفق العام  والنهوض به هيكليّا وتقنيا وإنتاجيّا.

العصيان في وجه القانون

 

لئن استطاعت معظم القنوات الإذاعية والتلفزية التي كانت تبثّ دون ترخيص بعد  جانفي 2011  أن تسوّي وضعيتها إثر حصولها على إجازات من الهايكا، فإنّ بضعة محطّات واصلت البثّ خارج إطار القانون، في تحدّ للهيئة. فلا التحذيرات المتكرّرة الموجّهة لها ولا العقوبات الماليّة التي سُلّطت عليها حملتها على إيقاف البثّ. ويتعلّق الأمر بإذاعة «النور» و«بإذاعة القرآن الكريم» وبإذاعة «سوسة أف.أم». وقد توقّفت هذه المحطّٰة عن البثّ في سبتمبر الماضي. وتعتبر القرصنة تعدّيا على الطيف التردّدي الذي هو ملك عام للدولة ، وتتولّى الوكالة الوطنية للتردّدات التصرّف فيه والسهر على حسن استعماله.

كثيرا ما تتلقّى الوكالة تشكيات من إذاعات مرخّصة لها، نظرا لما تتسبّب فيه  قرصنة الذبذبات من تشويش على بثّها، فتقوم بمراقبة دورية بواسطة محطّات ثابتة ومتنقّلة لتحديد مصدر التشويش، وبحملات قياسات، بالتنسيق مع الديوان الوطني للإرسال الإذاعي والتلفزي، وتلفت النظر عند وقوع أيّ تجاوز.

وقد علّلت الهايكا رفضها منح إجازة لإذاعة النور، حسب مصادرنا، بخلوّ الملف من بيانات بشأن كيفية تغطية الالتزامات الماليّة ومن معطيات دقيقة حول التجهيزات التقنية والموارد البشرية، علاوة على أنّ التوجهات الاساسية للبرمجة لاتعكس التنوّع الذي يمثّل طبيعة قناة جامعة، في حين يفتقر ملف إذاعة القرآن الكريم إلى مخطط مالي واضح وتصوّر للتعديل الذاتي وكذلك إلى مشروع برامجي يتّسم بالتنوّع، فضلا عن غياب البيانات الضرورية بشأن المعدات التقنية.وبالنسبة إلى إذاعة سوسة أف.أم، فإنّ أسباب الرفض تكمن في المخطّط المالي وغياب التنوّع في الشبكة البرامجية.

أمّا في المجال التلفزي، فإنّ قناة «الزيتونة» تعمّدت الاستمرار في البثّ دون إجازة رغم دعوات الهايكا المتكرّرة إلى التوقّف التلقائي عن البثّ. وقد صدر عن الهايكا قرار بحجز معدّات القناة، لكنّ لا شيء من ذلك قد حصل. وقد فسّر البعض عدم تنفيذه بغياب الإرادة السياسيّة في تطبيق القانون بالحزم اللازم.    

ولم يبق الآن أمام الهيئة سوى إحالة ملفات القنوات المخالفة على النيابة العمومية، كما صرّح بذلك النوري اللجمي.

هل أصبحت قناة «الحوار التونسي» ملاحقة؟

لا تقتصر اهتمامات الهايكا على ملاحقة القنوات «المارقة» عن القانون لتعمّدها البثّ دون ترخيص، بل تتركّز كذلك على رصد أيّ  إخلال بأخلاقيات المهنة وبالالتزامات الواردة في كرّاس الشروط الذي وقّعت عليه القناة. وقد تتالت في السنوات الأخيرة قرارات تقضي بتسليط خطايا ماليّة أو بإيقاف برنامج من البرامج. وقد استأثرت قناة «الحوار التونسي» بالنصيب الأكبر من هذه العقوبات، خاصّة بسبب ما احتواه، في نظر الهايكا، برنامج علاء الشابي «عندي ما نقلك»، من «خروقات».

وفنّد النوري اللجمي ما اعتبر ملاحقة  لهذه القناة دون غيرها قائلا: «نحن لا نستهدف قناة الحوار بصفة خاصّة، وإنّما  نتابع كل القنوات وكثيرا ما نغضّ الطرف عن إخلالات بسيطة، وكثيرا ما دعونا القائمين على قناة الحوار ولفتنا نظرهم إلى الخروقات الموجودة، غير أنّنا لا يمكن أن نتسامح مع الاخلالات الجسيمة. وفي تعاملنا مع الإخلال لا يهمّنا اسم القناة لأنّنا نقف على نفس المسافة من الجميع». وأضاف: «بعض القنوات التي لا تعجبها قراراتنا تحاول تأليب الرأي العام ضدّنا لكننا نحاول أن نبقى ثابتين لأنّنا متاكّدون من صحّة قراراتنا ومدى التزامنا بالقانون».3

 

ولا شكّ أنّ ما تتعرّض اليه الهايكا أحيانا من حملات إعلاميّة بسبب ما تتخذه من قرارات من شأنه أن يمسّ من هيبتها  ومصداقيتها، كما أنّ  انعدام الإمكانيات لديها لتطبيق القانون يحدّ من فعالية دورها كسلطة تعديل ومراقبة للقطاع السمعي البصري، علاوة على أنّه كثيرا ما تغيب عن الهيئة المعلومة بشأن استخلاص  الخطايا الذي هو من مشمولات القباضات الماليّة ومتابعة حجز المعدّات الموكول إلى الضابطة العدليّة.

عبد الحفيظ الهرقام

لقراءة المزيد:

المشهد السمعي البصري في تونسالفوضى والشفافيّة المفــقودة

المشهد السمعي البصري في تونستجهيزات مهرّبة وخروقات بالجملة

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.