أخبار - 2016.10.19

محمد ابراهيم الحصايري : من "طرائف" لعبة الأرقام...

سلوى اللومي_زياد العذاري_سميرة مرعي

منذ زمن طويل، أشعر بالرغبة في الكتابة عن هذه اللعبة التي كثيرا ما يلجأ إليها ولاة أمورنا ليحاولوا إقناعنا بالشيء وعكسه...

وقد جاءت التصريحات التي أدلى بها وزير الوظيفة العمومية والحوكمة مؤخرا لتحرّك فيّ هذه الرغبة، فلقد قال الوزير الذي يبدو أنه "يريد حلّ مشكلة الصناديق الاجتماعية بتقريب ساعة المتقاعدين رغم أنه كان يفترض أن يكون أحدهم"، "إن الدولة لا تعرف العدد الحقيقي للموظفين العموميين"...

هكذا بكل بساطة، وبدون أي تقدير لتبعات هذا الكلام الخطير...

غير أنه أضاف "أن النسبة الأهم من ميزانية الدولة تذهب إلى خلاص أجور الموظفين العموميين، وأن هذه النسبة تقدر بـ13.5 مليار دينار سنويا، ويمكن أن ترتفع إلى 15 مليار دينار إذا تم تفعيل اتفاقيات الزيادة في الأجور"...

هكذا بكل ثقة في النفس، وبدون أن يشعر بأنه بالغ في حساب ارتفاع كتلة الأجور، إذ لا يعقل، مهما كانت قيمة الزيادة، أن ترتفع بنسبة تتجاوز الـ10 بالمائة دفعة واحدة...

وبقطع النظر عن ذلك، فإنني لا أدري إن كان وزير الوظيفة العمومية والحوكمة الذي قال ان وزارته تعمل حاليا على بعث منظومة معلوماتية ألكترونية لحصر عدد الموظفين العموميين بالتدقيق، يشعر بالتناقض الذي يتضمنه كلامه إذ كيف للدولة أن تحسب كتلة الأجور الحالية وبعد الزيادة ما دامت لا تعرف بدقة عدد من تذهب إليهم هذه الأجور...

إنها ما أسمّيه طرفة من طرائف لعبة الأرقام التي أدمنت حكوماتنا المتعاقبة على ممارستها لتسويغ السياسات العرجاء التي تنتهجها وتبرير الإجراءات المجحفة التي تريد فرضها علينا...

وطرائف لعبة الأرقام كثيرة، يصعب عدّها، فهي تتكرر بشكل يكاد يكون يوميا... والأرقام تظهر وتختفي، وتتورّم وتتقزّم حسب الحاجة وحسب الظرف... وفيما يلي طرفتان من أحدث هذه الطرائف:

أما الطرفة الأولى فهي تتعلق بقطاع السياحة، فلقد طلع علينا الديوان الوطني للسياحة التونسية في أواسط شهر سبتمبر الماضي بأرقام يكذّبها الواقع إذا نظرت إليه بالعين المجردة ودون حاجة إلى مجهر... فلقد أكد الديوان، مثلا، أن عدد السياح الوافدين على تونس خلال الأشهر الثمانية الأولى من سنة 2016 بلغ 2.915.242 سائحا، أي أنه تراجع بنسبة 3 بالمائة بالمقارنة مع عددهم الذي بلغ 3.005.825 سائحا خلال نفس الفترة من سنة 2015 التي ينبغي التذكير بأنها شهدت على التوالي اعتداءين إرهابيين كبيرين الأول في 18 مارس 2015 على متحف باردو، والثاني في 26 جوان 2015، على نزل امبريال في سوسة.

غير أن الطريف أنه لم يكد يمضي على إعلان هذه الأرقام أسبوعان حتى خرجت علينا وزيرة السياحة في مطلع شهر أكتوبر الجاري لتعلن أن عدد السياح الوافدين على تونس حتى نهاية سبتمبر 2016 بلغ أكثر من 4.3 مليون سائح وأنه من المتوقع أن يتخطى عتبة الخمسة ملايين مع نهاية العام الجاري.

وغني عن البيان أن تونس لا يمكن أن تكون استقبلت خلال شهر سبتمبر وحده أكثر من 1.3 مليون سائح، غير أنه إذا عرفنا سبب هذا التضارب في الأرقام بطل العجب... ففي أواسط شهر سبتمبر كان لا بد من تخفيض عدد السياح الوافدين على تونس والحديث عن وضع السياحة "الكارثي" لان عمال القطاع كانوا يهددون بالإضراب احتجاجا على عدم تمكينهم من الزيادة في أجورهم...

أما وقد تم إلغاء الإضراب بعد استجابة نقابة أصحاب الفنادق لطلب الزيادة في الأجور، فقد بات من الممكن الحديث عن أرقام أخرى مختلفة عن الأولى تمام الاختلاف، لأنها تتنزل في سياق "المفاخرة" بالانجازات التي فاقت التوقعات والتي تمثلت خاصة في استقطاب 1،250 مليون سائح جزائري و570 ألف سائح روسي خلال الأشهر التسعة الأولى من السنة الجارية.

أما الطرفة الثانية من طرائف لعبة الأرقام فهي تتعلق بتعاون وزارة الصحة ووزارة الصناعة التجارة على البر والتقوى، إذ خرجت علينا وزيرة الصحة قبل أيام لتذكّرنا بأن نسبة الإصابة بداء السكّري في تونس تبلغ 11 بالمائة من السكان، ورغم أن هذا الرقم قديم وقد لا يكون محيّنا فإن اعادة الحديث عنه كان ضروريا لمعاضدة الديوان التونسي للتجارة في مواجهة الجدل الذي أثاره بالإعلان عن احتمال الترفيع في أسعار السكر، بالاستناد إلى أرقام أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها تدعو إلى الاستغراب إذ روّج الديوان أنه يتوقع أن تبلغ الخسائر المنجرّة عن توريد مادة السكر خلال 2017، ما يقدر بـ226 مليون دينار...

وبدون الإغراق في الحسابات وإذا لاحظنا أن الديوان يتوقع أن تكون جملة الخسائر المنجرة عن توريد السكر سنة 2016 في حدود 53 مليون دينار إن لم يقع تعديل الأسعار، فإنه من حقنا أن نتساءل كيف يمكن ان تتضاعف قيمة هذه الخسائر سنة 2017 اكثر من اربع مرات دفعة واحدة...

وعلى كل فإن الحديث عن السكر وداء السكري توقف بمجرد أن أوضحت وزارة الصناعة والتجارة يوم الأربعاء 12 أكتوبر 2016 أنها لا تعتزم الزيادة في سعر مادة السكر خلافا لما تم تداوله...

وبعد،

فإن الغاية من تسليط الضوء على هذه النماذج من طرائف لعبة الأرقام هي التنبيه إلى أن هذه اللعبة خطيرة ومن شأنها أن تزيد الثقة المهتزّة أصلا في حكوماتنا المتتالية اهتزازا، ذلك أن الشك في أرقام بعض الوزارات طريق إلى اليقين من تهافت أرقام جميعها...

ولذلك فإن الحكومة الجديدة مدعوّة، إذا أرادت حقا أن تبدأ بداية سليمة وأن تكتسب ثقة الشعب وأن تضمن انخراطه في عملية الإصلاح الشامل، إلى الكف عن التلاعب بالأرقام سواء بالزيادة أو النقصان، وإلى الإقلاع عن تقديم أي رقم إلا إذا كانت متيقنة من دقته وصحته...

ولمن سيقرأ هذا المقال صباحا أقول صباحك سكر... ولمن سيقرؤه مساء أقول مساؤك سكر...

محمد ابراهيم الحصايري

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.