أخبار - 2016.10.10

الإصلاح التربوي: حتى لا تضيع الفرصة مرة أخرى

الإصلاح التربوي: حتى لا تضيع الفرصة مرة أخرى

ترتفع الأصوات في الفضاء العام والخاص منادية بضرورة إصلاح التربية والتعليم العالي مرددة لانطباعات يتفق عليها جل العاملين والمنتفعين، متحسرة على التدهور الكبير الذي يعاني منه التعليم في تونس بعد أن كان مفخرة كل عائلة تونسية وأملها في الصعود الاجتماعي. إلا أن المتابع لهذا الشأن العام والحساس لا يمكنه إلا أن يخلص إلى الملاحظات التالية:

أولا، لا يبدو أنه هنالك الإرادة السياسية الكافية للدفع بمشروع إصلاح شامل في حجم توقعات العاملين والمنتفعين من التربية والتعليم العالي ولعل هذا أمر متوقع في ظل غياب الرؤية الرصينة والمتبصرة لواقع التربية والتعليم ولمستقبلهما. لعله من المفيد التذكير، مرة أخرى (أنظر على سبيل المثال مقال هل نحتاج إلى كلية تربية؟ نشر بجريدة الصباح بتاريخ 4 فيفري 2010)، أن غياب كلية تربية في تونس لا يعني إلا تشرذم البحث التربوي الذي يقام على أسس علمية وانحساره في محاولات فردية مبعثرة لا تسمن ولا تغني من جوع عند اتخاذ القرار المبني على التقييم العلمي والتحليل الموضوعي للواقع التربوي كما هو وليس كما نريده أن يكون أو نشتهيه أن يكون أو كما يقدر أو يقرر له الخبير الأجنبي أن يكون. يصعب دعم مشروع إصلاح شامل لا يقيس الواقع بكل عيوبه وحسناته وإنما يستأنس بتجارب البلدان الأخرى وبدراسات الهيئات العالمية  عن الحالات المشابهة وعن نظريات التغيير التربوي وعن الممارسات الجيدة. وهذا مما يزيد، وبكل بساطة، من نسبة فشل مشاريع الإصلاح التي تسقط على الواقع حلولا ليس له بها من سلطان. في هذه الحالة، من ذا الذي يتحمل مسؤولية فشل مشروع إصلاح آخر بعد أن عشنا الخيبات المتتالية على الأقل لإصلاحي 1991 و2002؟

ومن المرجح أيضا أن تنتهج الحكومة منهج الحذر في تبنيها لمشروع الإصلاح الشامل ليقينها أن الإصلاح مكلف وأن الظروف الاقتصادية الحالية ليست بالجيدة ولا تشجع على الإصلاحات الشاملة. فلقد انطلق الحوار الوطني بعد أن صادق مجلس النواب على عدد من مشاريع القوانين حول اتفاقيات قروض للمساهمة في تمويل مشروع تعصير المؤسسات التربوية بقيمة جملية تقدر ب320 مليون يورو مما سيمكن من إحداث 59 مؤسسة تربوية جديدة وتحسين 310 مؤسسة ابتدائية وإعدادية وثانوية ومبيتات ويساهم البنك الأوروبي للاستثمار بقرض يقدر ب70 مليون يورو يدفع على مدى 20 سنة. فهل كان من الأجدى عدم رفع سقف توقعات المواطن في إصلاح تربوي شامل بما أننا لم نقترض إلا ما يكفى للبناءات وللبنية التحتية؟

ولعل الأحزاب السياسية تتحمل كذلك جزءا من المسؤولية السياسية إذ لم نسمع لها رأيا ولا صوتا يجهر باقتراح لخارطة الإصلاح أو يتبنى وجهة نظر معينة أو يرجح رأيا على آخر. من المؤكد أن لكل حزب مهما كان حجمه ووزنه في الخارطة السياسية برنامجا للتربية ورأيا وموقفا من إصلاح التربية والتعليم بغض النظر إذا ما كان رأيه هذا مستمدا من إيديولوجية معينة أم لا. يبدو أن الأحزاب انسحبت طواعية من النقاش العام حول الإصلاح التربوي ومن الممكن أنها تنتظر اللحظة المناسبة للتدخل ومن الممكن أيضا أنها فضلت الصمت لأنها تخشى من هجوم فئة معينة دعت ولا زالت تدعو إلى "عدم تسييس القرارات التربوية" وإلى "ترك شأن التربية للتربويين". ولعل واقع الفعل السياسي المعارض الضعيف والمتخافت وراء عدم قيام الأحزاب خارج السلطة بدورها المدني في نحت مشروع تربوي يرقى إلى تطلعات المنتفعين وارتهانات المرحلة.

أما الجمعيات المهتمة بالشأن التربوي فقد انطلقت فرادى وأحيانا في مجموعات صغيرة لتناقش الشأن التربوي وتقترح الإصلاحات التي ترتئيها. لم يرتقي المجهود المبذول بعد إلى مستوى خلق كتل ضاغطة تصيغ المقترحات وتؤثر في القرارات. ويبدو أن هذه الجمعيات ولأسباب عديدة ولعل أهمها إصرار دولة الاستقلال على تطويع الجمعيات إلى موالي ومعارض، لا تزال تنظر إلى وزارة التربية أو التعليم العالي على أساس أنها المسئولة الأولى عن الإصلاح وأن دورها لا يزيد عن المساندة أو المعارضة. وهنا تكمن العلة إذا أننا إذا ما أردنا أن نصلح هذه الميادين فإنه من الضروري ألا نتوقع أن أمر الإصلاح مسؤولية الوزارة وأن منتهى أمل بعض الأفراد أو الجمعيات أن تنال رضاء صناع القرار فيقربونهم إليهم. لا يبدو أننا نعي الدرس الأول في الديمقراطية وهو أنه لا توجد ديمقراطية من دون مشاركة ولا ينبغي لهذه المشاركة أن تقتصر على "تشريك" بعض الأفراد ولا على الاستشارات. يجب أن تشمل المشاركة أكبر عدد ممكن من المواطنين وخاصة من الشباب الذي يبدو مغيبا تماما. لا يمكن أن نتحدث عن سلم اجتماعية وعن تماسك النسيج الاجتماعي وعن عدم إقصاء الجهات أو الفئات الاجتماعية ونحن لا نمكّن المواطن من التعبير عن رأيه في كل المسائل التي تخص حياته اليومية. لقد عشنا في الفترة المنقضية على شعارات رفعت حول المسكن اللائق والتضامن الاجتماعي وأثبتت هذه السياسيات فقرها وفشلها لعدم تشريكها للمواطن التشريك الفعلي. فهل نعقد العزم على التأسيس لديمقراطية فعلية ومستدامة وأن نغير من مفهوم المواطن المستهلك إلى مفهوم المواطن الشريك؟

روضة بن عثمان
كلية العلوم الانسانية والاجتماعية

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.