بيداغوجيا القرار السياسي: الأولويات لتمرير الحربوشة

بيداغوجيا القرار السياسي: الأولويات لتمرير الحربوشة

يقتضي القرار السياسي الإحاطة بعدد من الاحتياطات التي يستوجب التعامل مع الرأي العام اتخاذها خاصة في زمن الأزمة.

وتونس تمر بأزمة سياسية / اقتصادية /مالية حادة، ربما تحدث اهتزازات لا يعلم نتائجها أحد، ولا يمكن أن يتنبأ بتطوراتها متنبئ.

فللمرة الأولى منذ شهر جوان 2012، ومنذ أشعل حسين الديماسي الضوء الأحمر ونبه إلى خطورة الوضع قبل استقالته من الوزارة، وهو من هو علما وكفاءة، لم يصارح أحد من الحكام الشعب بخطورة وضع اقتصادي متدهور، ينذر بكل الكوارث، حتى جاءت حكومة يوسف الشاهد، لتصارح بصورة مواربة وغير حاسمة بحقيقة وضع يوشك أن يدفع البلاد للهاوية، إن لم تكن سقطت فيها بعد.

وكان لا بد من تجرع الدواء المر، الذي لم تعد هناك مندوحة عن تناوله، متمثلا في ضرورة اتخاذ قرارات تقشفية حادة، لا يمكن للشعب قبولها، وهو الذي هدهدته الحكومات المتعاقبة منذ 2012 بمعسول الكلام، ومنعت عنه الشعور التدريجي بعمق الأزمة التي كان لا بد من علاجها في الإبان، حتى لا ترتفع حرارة الجسم إلى هذه الدرجة الخطيرة، تلك الحرارة التي تعتبر عرضا للمرض لا المرض نفسه.
وبدل المصارحة الكاملة، ووصف مراحل الداء، الذي استفحل بدون علاج على مدى السنوات الخمس الماضية، انطلاقا من مسؤولية حكومة النهضة (المسماة حكومة الترويكا)  ومن جاء بعدها، لم يقدم رئيس الحكومة الجديد يوسف الشاهد على تحميل المسؤولية لأصحابها في ما وصلته البلاد، مكتفيا بعرض دون تشخيص، لوسائل مداواة، هي في جملتها مناسبة لطبيعة الداء، وإن كانت متأخرة، ولا تبدو مقبولة.

غير أن رئيس الحكومة الذي عليه أن يفرض الانضباط داخل حكومته، قبل أن يحاول ذلك بالنسبة للبلاد بأكملها، فالحكومة بأعضائها مفروض عليها أن تكون على خط سير واحد لا خطوط متعددة  بمواقف معلنة متناقضة أحيانا، وهو ما بدأ يتساءل بشأنه الناس على مدى قدرة رئيس الحكومة على فرض الانضباط على حكومته ، لاعتبار قلة تجربته، غير أن رئيس الحكومة في محاولته الصريحة والقرارات المعلنة من طرفه  والمتطلبة تضحيات جسيمة من الشعب وخاصة طبقاته المتوسطة والمعدومة، لم تتحل بالتوفيق اللازم.
وإذ نعتقد أن ما تقرر باعتبار طبيعة الأزمة التي وضعت البلاد على حافة الإفلاس، هو أدنى ما يجب أن يتقرر فإن رئيس الحكومة وحكومته، جانبهم التوفيق تماما في ترتيب تلك القرارات، بحيث يستطيع الشعب أن يبتلع الدواء الشديد المرارة.
ومن وجهة نظرنا فإن الشاهد كان أقدر على تمرير إصلاحاته (التي سيقوم سد أمام إنجازها) لو عمد إلى تغليفها بقرارات ثلاث أو أربعة عاجلة و ناجزة، كما قال لنا عدد من رجال السياسة المتمرسين ، والموضوعين على الرف رغم كفاءتهم العالية وتجربتهم الممتدة،
أولها: الإعلان عن قرارات سريعة يتم تنفيذها للتو وعلى الفور في مواجهة ظاهرة الفساد ، الذي أخذ بالاستشراء منذ حكم النهضة وتصاعد سريعا بعد ذلك بأسماء من ثبت عليهم حتى الآن.
ثانيهما إعادة قضية الاغتيالات السياسية إلى السطح والإعلان عن المسؤولين كما المتسببين في أحداث 9 أفريل والرش والسفارة الأمريكية  وغيرها من "المهازل" التي حصلت في السنوات الأخيرة، المهازل في ملاحقاتها لا في أحداثها.
ثالثها التصدي المعلن والناجز للتجارة الموازية والتهريب وبالإسماء والملاحقات، والملفات جاهزة وفقا لأقوال المسؤولين سابقين ولاحقين ، منذ زمن سمير العنابي الذي قام بعمل جليل وكوفئ بالإقالة غير القانونية  إلى شوقي الطبيب المتمتع بالكفاءة والجرأة، والذي لم يضع لسانه في جيبه.
رابعها إعادة هيبة الدولة ، والإعلان عن قرارات حاسمة بداية من محاربة البناء الفوضوي الذي يتوجب الهدم دون انتظار ، إلى المعاقبة الشديدة للمعتدين على البيئة إلى المخالفين لقوانين الطريق مع التشديد وغيرها.

مع البدء الفوري بفرض دفع الضريبة على المتهربين والمتلددين وإعلان ذلك.

بيداغوجيا وسياسيا كان لا بد أن تسبق هذه العناصر، وبالصراحة التامة قرارات، النيل من القدرة الشرائية للمواطنين، وهي ضرورية لتجاوز الأزمة، كان لا بد أن تسبقها قرارات تعيد الطمأنينة إلى الناس بأن تضحياتهم لن تذهب سدى، وعندها يعم الشعور بأن الحكومة جادة، وأنها اضطرت لاتخاذ القرارات المؤلمة اضطرارا، والمؤكد أن المواطنين سيشعرون لا بالارتياح، فذلك بعيد المنال ولا أحد يرضي بتقليص دخله، ولكن بأن التضحيات المطلوبة لها ما يقابلها من جدية في المعالجة.
الحكومة ربما عن حسن نية، وبجهل كامل لطبيعة السلوك السياسي الفطن، اندفعت لما يغضب ومرفوض، قبل أن توفر لنفسها الحماية والحصانة الشعبية، والالتفاف المواطني الضروري، وهذا ما تؤاخذ عليه، ولو كانت محصنة بحزام من أصحاب الخبرة والإدراك لما سقطت هذه السقطة، التي لا تعرف اليوم كيف تخرج منها، أمام غضب كل الفئات عمالية وغير عمالية، والتي ستعيق برنامجها الإصلاحي.

عبد اللطيف الفراتي

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.