أخبار - 2016.09.18

رشيد خشانة: نحو نظام بحزبين كبيرين

رشيد خشانة: نحو نظام بحزبين كبيرين

 تغيرت ملامح المشهد السياسي بشكل جذري عمّا كانت عليه قبل 2011. برزت أحزاب جديدة واندثرت أخرى قديمة. ومازال الكثير من التشكيلات الحزبية، التي يصدق اعتبارها مجموعات أو مراكز ضغط، يُقاسـي الأمرَين من أجل البقاء. مع ذلك يمكن القول إن الهيكلة التي انبنت عليها حكومة يوسف الشاهد، كرّست لأول مرة نظاما شبيها بأنظمة الحزبين الكبيرين في بلدان أوروبية. فبعد حكومة «الترويكا»، التي حكمها حزب واحد، أتت حكومة «الكفاءات» (وكانت في غالبها حزبية)، ثم حكومتا الحبيب الصيــد اللتان لم تعكسا الخارطة السياسية الجديدة في البلاد التي أفرزتها انتخابات 2014. 

ما من شــــكّ في أن الحــكومة الحاليـة ليســـت حــكومـة الوحدة الوطنية المأمولة، بل هي حكومة محاصصات، إلا أنها عكست إلى حد ما استقرار المشهد الحزبي، على رغم الصراعات الداخلية التي مازالت تهزُ أحد القطبين الحاكمين. فحزبا «النهضة» و»النداء» استأثرا بحصة الأسد في التشكيلة الوزارية، بشكل اقترب من خريطة التمثيل في مجلس نواب الشعب، وفرضا اختيار أسماء المُستوزرين من الأحزاب الشريكة لهما في الحكومة. من هنا يجوز تسجيل أربعة ملامح جديدة أفرزها المشهد السياسي المُتحوّل، وهي التالية: 
  1. تكريس نموذج الحزبين الكبيرين، فمفتاح الحل والعقد اليوم، برلمانيا وحزبيا، يوجد في كف الحزبين الأولين، ولا مجال لأن يفرض الشـركاء الصغـار في الحكومة أمرا لا يُوافق عليه الحزبان، وبعبارة أدق زعيماهما. 
  2. بروز اتحاد الشغل ككتلة سياسية إلى جانب باقي الكتل الحزبية، بعدما حاز على حصة من الحقائب أسوة بالأحزاب السياسية، وهي المرة الأولى منذ فجر الاستقلال*، التي يلعب فيها الاتحاد في الملعب السياسي بشكل واضح. وقد تكون لهذه الخطوة تداعياتها على صعيد تشكيل كتلة سياسية «عمالية».
  3. ترأست الحكومة شخصية حزبية، وهو ما يُشكل استعادة لتجربة «الترويكا»، غير أن قائمة الأهداف الحزبية التي يروم رئيس الحكومـة الحالي تحقيقها أقل بكثير من الأغراض التي حققتها «النهضة» وبدرجــة أقل شريــكاها الأصغـران، على صعيد خدمة أعضائها. 
  4. وهذا عنوان على ضعف عقلية الدولة لدى كثير من النخب الحزبية.  
  5. هذه الخريطة ليست نهائية، بالرغم من تبلورها النسبي، فتبعثر الأجسام المنبثقة عن الحزب الحاكم السابق يُشكل عنصرا مهما في إضعاف أحد القطبين المتنافسين. وفي هذا السياق يُرجّح أن تُفرز الانتخابات المحلية والبلدية المقبلة توازنات جديدة، خاصة أن طرفا واحدا يُمشط الآن البلاد مدينة مدينة وحيّا حيّا وقرية قرية، مع إمكانات مادية تكاد تكون غير محدودة، لضمان نجاح ساحـق في تلك الانتخابات، بما يُكرس ميزان قوى جديدا.
كان يُقال إنّ الحكومة الحالية ستستمر إلى 2019، لكن مؤشرات الاستعداد للانتخابات المحلية (الظاهرة والخفية)، تدل على أن هناك مفاجآت قادمة ستعصف بكثير من التوازنات الراهنة، وتكرّسُ خريطة جديدة ستستدعي، ربما، مراجعة التشكيلة الحكومية...
 
* شارك أربعة قياديين من الاتحاد في الحكومة التي شكلها الرئيس الحبيب بورقيبة في 15 أفريل 1956، وأتت تلك الخطوة في أعقاب وقوف الاتحاد إلى جانب بورقيبة في صراعه مع صالح بن يوسف. ثم شارك الاتحاد في قائمات «الجبهة الوطنية»، التي كان يقودها الحزب الاشتراكي الدستوري، خلال انتخابات 1981 التشريعية.  
رشيد خشانة
هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.