أخبار - 2016.08.27

يوميّات‭ ‬مواطن‭ ‬عيّاش: أحب‭ ‬الشّتاء‭ ‬كما‭ ‬لا‭ ‬يحبّ‭ ‬الشتاء‭ ‬أحد‭ !‬

يوميّات‭ ‬مواطن‭ ‬عيّاش: أحب‭ ‬الشّتاء‭ ‬كما‭ ‬لا‭ ‬يحبّ‭ ‬الشتاء‭ ‬أحد‭ !‬

كنت بصدد مطالعة كتاب، يتحدث عن السياسة والأحزاب، عندما طرق الباب طرقا أزعجني، ومن قراءتي أخرجني، فأسرعت أستطلع من الزائر، فإذا هو صديقي العياش  مزمجر ثائر، يهذي كالمحموم، بكلام غير مفهوم.

ودون أن أفهم سبب هذا الغضب، أخذت أهدئ صاحبي حتى نالني من ذلك كثير   التعب، ولما عاد العياش، إلى حالته الطبيعية، سألته عن أسباب هذه النوبة الهستيرية، فقال:« إنـه الصيف! هو أصل البليّة!»فقلت في نفسي«لعل الرجل أصابته ضربة شمس قوية، جعلته يهذي بتلك الكيفية».

ولما صارحته بما كنت أفكر فيه، ضحك حتى «بانت سنّيه»، وقال لي :«ضربة ماذا يا هذا؟ أنا من هذه الناحية» «صح سالم»، لكني جئت أشكوك ضربات أخرى لست أدري إن أنت بها عالم»فقلت«لا يعلم الغيب إلا علام الغيوب، فأسرع وقل ليما شكواك وما  المطلوب؟».

عند ذلك جلس العياش بكل هدوء، ليشرح لي أسباب هذا اللجوء: «لست أدري من أين أبدأ لأشكوك هذا الصيف، الذي تقولون عنه إنه ضيف. وإن كان ضيفا كما قيل، فهو بصراحة ضيف ثقيل»فقلــــت: «وكيف تقول هذا في فصل يعتبره الناس فصل الراحة والاستجمام ،و «الخلاعة» والاستحمام، وموسم العروسات والفروحات، وموعد السهرات والمهرجانات...»

فقاطعني العياش في الحين«بل لتلك الأسباب وغيرها هو في نظري فصل « رزين»...  أيّه سيدي شد عندك: تقول إنه فصل الاستجمام والراحة، فأقول بكل صراحة ، إنه فصل الحرب على «الناموس»، حرب مثل حرب البسوس، لا تعرف لها نهاية، وتنتهي بك إلى رفع الراية، راية الهزيمة لا محالة، في انتظار انطلاق تلك الوكالة، التي وعد وزير بإقامتها، لإشهار الحرب على تلك الحشرات وإبادتهاأما عن الاستحمام فأظنك تقصد العوم والغطس في العرق، وما تسببه لك الحرارة من أرق، إذا لم يكن لك في البيت مكيّف للهواء، يخرجك من الصيف إلى الشتاء».

ولا تحدثني، «براس أمك» عن «الخلاعة»، فأنت تعرف قصة الضيوف المتوافدين عليك ورأس مالهم « دلاعة»، مقابل إقامة كاملة حتى قيام الساعة.

«وعن أي مهرجانات تتحدث أيها الصديق، وقد فقد أغلبها كل بريق ؟ وهل تريدني أن أعيد الكرّة ، لمشاهدة مطربين حضرت حفلاتهم ألف مرة ومرة؟ وهل تتخيّلني أصفق بكل طرب، لفنانات أكل الدهر عليهن وشرب، لست أدري من أين أرشيف أخرجوهنّ، وفي أي كتاب من كتب تاريخ الفن عثروا عليهنّ؟ ».

وهل أضيف إلى هذه المآثر السّنيّة ، باب التهاني بمناسبة النجاحات المدرسية والجامعية، وما يرافقها من هدايا عينيّة؟ فقد وضعت لها « المادام» تعريفة تصاعدية، تبدأ بخمسين دينارا  للسيزيام وتنتهي بمائتين للمتخرجين من الكليّة ، حتى صرت لا أفرح في قرارة نفسي بنجاحات ترهق كاهل الميزانية.

«أما عن الأعراس فحدّث ولا حرج، عمّا تحدثه من هرج ومرج، وعن المصاريف الطائلة، لكي يظهر كل أفراد العائلة، في أجمل حلّة ولباس، نلجم بها أفواه الناس، هذا إلى جانب حصص التعذيب الجماعية، التي تجبرك عليها مضخمات صوت قوية، وأشباه مطربين ومطربات، من مشاهير النكرات».

«أبعد هذا كلّه تريدني يا أغلى أحبابي، أن أكون ماسكا لأعصابي، وأن أرحب بالصيف، كما أرحب بأعز ضيف؟».

ولما انتهى العياش من مرافعته، وأفرغ كل ما في جعبته، خاطبته بكل جلاء:«إن ما قلته اليوم في الصيف سوف تقول  غدا مثله في الشتاء، وهذا هو دأبنا، « نساء ورجالا، لا نرضى أبدا بأي حال»... لكن العيّاش غادرني دون رد، وهو يغني: « أحب الشتاء كما لا يحب الشتاء أحد !».

عادل الأحمر

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.