أخبار - 2016.07.20

احذروا العسكر: ولكن أيضا عدم الالتزام بدولة القانون

احذروا العسكر، ولكن أيضا عدم الالتزام بدولة القانون

أصابني الاستغراب وأنا أتابع على التليفون (لغياب الكومبيوتر قصدا خلال إجازتي) مواقف عدد كبير من مثقفينا بشأن انقلاب تركيا في الليلة الفاصلة بين الجمعة والسبت، فرحة البعض قبل الأوان، ولوعة البعض الآخر قبل الأوان.

فجعت للحقيقة في رد فعل عاطفي لا علاقة له بالمنطق، ولا بالعقلنة التي كان مفترضا توافرها عند هؤلاء وأولئك.

فالانقلاب العسكري أو غير العسكري مرفوض، خاصة عندما يقوم ضد سلطة تتمتع بالشرعية الانتخابية، ومهما كان الموقف من سياساتها المتبعة، ترضي نفوسنا أو تمجها.

وإني لأذكر خطابا للدكتور فاضل الجمالي وزير خارجية العراق آنذاك في المجلس التأسيسي في سنة 1958، وكان نصيرا لتونس في المحافل الدولية هو ومحمد صلاح الدين وزير خارجية مصر ومحمود فوزي بعده والباكستاني ظفر الله خان، قال فيه احذروا من الانقلابات العسكرية، فهي كارثة في الغالب أينما حلت، وكان هو نفسه ضحية بعد أشهر لانقلاب عبد الكريم قاسم، كما كان عرضة لحكم بالإعدام، أنقذه من براثنه الرئيس الحبيب بورقيبة، واستقدمه إلى تونس، التي قضى بها بقية حياته الطويلة عزيزا مكرما.

ولذلك فإني أجد من المستغرب أن ينحاز مثقف إلى جانب انقلاب عسكري على سلطة أفرزها صندوق الاقتراع، وأن يبرره، بدعوى فساد سياسة، أو إضرارها بمصالحنا الوطنية أو العربية.

وتركيا التي رعت حكومتها الحالية صحبة السعودية وقطر الارهاب، وسهلت سبله  في سوريا والعراق وليبيا وبالتبعية عندنا، عبر فتح المنافذ له، وعبر تسهيل تمويله بسرقة الثروات السورية والعراقية، تقف في صف الأعداء، وقد اكتوينا في تونس بلهيب الارهاب كما اكتوى غيرنا، ممن تفتقت دولهم، وأصابها الخراب.

غير أن ذلك ومن وجهة نظرنا لا يبرر مطلقا، الوقوف إلى جانب الانقلاب العسكري لإسقاط شرعية، ولو كانت مشروخة، بفعل سياسات خاطئة وحتى مجرمة.

في المقابل فإن ما أقدم عليه النظام التركي بعد سقوط الانقلاب، والسكوت على تصرفات إجرامية تتحدى منطق القانون روحا ونصا،  السكوت من قبل جانب من مثقفينا في  الصف المقابل، من المؤيدين بلا حدود للرئيس أردوغان، تبدو لنا في قمة اللامسؤولية كما الأولى، وتحتاج إلى تنديد ليس فقط من قبل المعادين للرئيس التركي وحكمه، ولكن أيضا من أنصاره في ربوعنا، إن الوصول بعدد الموقوفين والمسرحين من أعمالهم إلى ما بين 25 إلى 30 ألفا في أربعة أيام، من بينهم 15 ألفا من المعلمين و3 آلاف من القضاة من بينهم 10 من المحكمة الدستورية الذين يتمتعون بحصانة ولا تمكن إقالتهم، و8 إلى تسعة آلاف من منسوبي وزارة الداخلية، فضلا عن قرابة 9 آلاف من العسكريين ممن أسيئت معاملتهم، فجرد بعضهم من لباسهم إلا من تبان لا يستر عورتهم، وظهرت على بعضهم آثار التعذيب وخاصة قائد أركان الطيران، وهم أي العسكريون الموقوفون بنسبة 1.5 في المائة من جملة أفراد القوات المسلحة التركية التي تعد مع إسرائيل ومصر وإيران رابع قوة رئيسية في منطقة الشرق الأوسط، هذا فضلا عن أن الموقوفين والذين أسيئت معاملتهم ليسوا كلهم من المنقلبين فضباط الصف والجنود وحتى الضباط الصغار يخضعون بالولاء إلى قادتهم الذين جروهم إلى سوء المصير، وهم وفي كل جيوش العالم وفي مثل هذه الأحوال لا يتحملون تبعة الأفعال لأنهم ملتزمون بالولاء والطاعة للقادة، وفضلا عن ذلك فإن ما شاهدناه من مظاهر الإذلال لقادة كبار بين جنرالات وعقداء، وقد جردوا من لباسهم العسكري ومن أنواطهم يتناقض مع أمرين اثنين:

أولهما أن المتهم بريء ولو تم إمساكه بالجرم المشهود أو متلبسا كما يقال عندنا.

وثانيهما أن العسكريين يمثلون(بفتح الياء وتسكين الميمطلقاء وبأزيائهم العسكرية لحين إصدار أحكام باتة بشأنهم، والعقوبة لا تتمثل فقط بالسجن أو الاعدام (حيث ما زالت تنفذ عقوبة الاعدام)، بل أيضا بنزع الأنواط والعلامات الدالة على الرتبة في حفل علني ومشهود، ولعل مثال الماريشال "بيتان" خائن فرنسا الأكبر أو النقيب "دريفوس" لأكبر دليل على ذلك.

إن أول ما يمكن للمرء أن يتمناه هو أن يتراجع مثقفونا مهما كانت مشاربهم عن حماسهم ويتعاملوا مع الأحداث، بكثير من رفعة النفس، خصوصا وبينهم من يدعون الالتزام بمبادئ وقيم حقوق الانسان، وبعضهم من تولوا مسؤوليات في الأجهزة التي تدافع عن حقوق الانسان، وإذ لم أسجل من حسن الحظ من من التونسيين من يدعو إلى العودة للعمل بحكم الاعدام في تركيا، وهي (أي منع الاعدام) خطوة جريئة اتخذتها الجمهورية التركية في اتساق مع متطلبات العصر، وفروض احتمال الدخول في الاتحاد الأوروبي، فإن الأمر مطروح وبإلحاح رغم أن ذلك يقوض حظوظ تركيا في الالتحاق بالاتحاد الأوروبي، كما إنه يتنافى مع المنظومة الكونية لحقوق الانسان، فضلا عن أنه ومن الوجهة القانونية فإن  إصدار أحكام الاعدام على المنقلبين هو تجاوز للقواعد القانونية، فالقاعدة تقول بأن الأحكام لا بد أن تخضع لتشريع سابق الوضع.

عبد اللطيف الفراتي

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.