أخبار - 2016.06.30

ومن الخبز ما قتل...

ومن الخبز ما قتل...

ها أن شهر رمضان آذن بالانتهاء؛ شهر يبلغ فيه الاستهلاك مستويات قياسية، وتستفحل فيه ظاهرة التبذير والإسراف في الإنفاق وإتلاف الطعام على نحو مفجع حقا. ما إن يحل الشهر الفضيل حتى تبادر عامة الناس إلى التخلص من نزعة الاعتدال في الإنفاق والحرص على موازنته مع ما يتيسر لهم من الدخل الحلال، والاقتصار عموما على ما يسد الرمق ويؤمن من جوع ويفي بالحاجة.

إقبال متزايد على شراء الخبز في رمضان

من بين المواد التي يتضاعف إقبال الناس على شرائها في شهر رمضان الخبز. ويقدر المعهد الوطني للإحصاء مقتنيات التونسيين من الخبز في سائر شهور السنة بين رغيف من الحجم الصغير (baguette) ورغيف من الحجم المتوسط (gros pain) بـ 6,7 مليون خبرة يوميا، منها 3,9 مليون خبرة من نوع الرغيف من الحجم الصغير، و 2,7 مليون خبزة من نوع الرغيف من الحجم المتوسط. وتقدر كمية الطحين (الفرينة) التي تخصص لصنع هذا الكم الهائل من مادة الخبز بأكثر من 6,5 مليون قنطار سنويا. ويزداد هذا الكم من استهلاك الخبز خلال شهر الصيام بنسبة 135 ٪‏ للرغيف من الحجم الصغير. لكن ما يستهلك من الخبز في سائر الشهور يبقى دون ما يتم اقتناؤه من هذه المادة، ويعزى الفارق إلى نزعة المستهلك إلى التبذير والإنفاق في ما يزيد عن الحاجة والى إتلاف كميات ذات بال من شراءاته بما لا يقل عن 900 ألف خبرة يوميا، أي ما قيمته 300 ألف دينار (100 مليون دينار سنويا).

استفحال ظاهرة "تجارة الخبز البايت"

من مظاهر هذا الاسراف في تبذير مادة حيوية كالخبز وفي إتلافها تزايد كميات الخبز التي تتجاوز الحاجة، واستفحال ظاهرة تجارة " الخبز البايت "، حيث يتراوح ثمن الكيس الواحد ( 50 كيلوغرام ) من الكمية التي يتم التخلص منها ويدفع بها إلى القمامات قبل أن تتلقفها أيادي النباشين في النفايات. لبيعها علفا للحيوان بين 15 و 20 دينارا...
كل هذا يذكرنا بأحداث الخبز التي جدت في تونس في شتاء 1983، واستنكار الرئيس الحبيب بورقيبة وقتذاك لظاهرة إتلاف مادة غذائية أساسية بامتياز، وتنبيهه إلى ضرورة وضع حد لها.

تعويضات قياسية

تقدر نفقات الصندوق العام للتعويض المخصصة لسد حاجيات البلد من القمح بـ 887 مليون دينار خلال سنة 2016. وارتفعت تعويضات ثمن مادة الفرينة لفائدة أرباب المخابز من 116,4 مليون دينار سنة 2013، إلى 120 مليون دينار في سنة 2015. وتقدر الكلفة الحقيقية للرغيف من الحجم الصغير ( baguette ) الذي يباع في المخابز بـ 190 بـ 374 مليم . أما الفارق بين كلفة صنع الرغيف الواحد من الحجم المتوسط ( gros pain ) وثمن شرائه من المخابز فيقدر بـ 465 مليم . وتضطر الدولة إلى استيراد كميات متزايدة من القمح اللين بنسبة تتجاوز 80٪‏ من احتياجات الاستهلاك. وتمثل الواردات من مادة القمح وحدها أكثر من 51٪‏ من إجمالي وارادتنا من المواد الغذائية.

ويعتبر تعويض ثمن الخبز في تونس أمرا في منتهى الأهمية والحساسية، إذ يسهم في الحد من ظاهرة الفقر بنسبة 1,2٪‏ ويقدر نصيب الفرد في تونس مما يوفره له صندوق التعويض جراء دعم المواد الغذائية من سكر وزيوت نباتية الخ. بـ 84 دينارا سنويا منها 33 دينارا يوفره التعويض عن ثمن الخبز.

درجة ملوحة مرتفعة

ويعتبر الخبز التونسي مرتفع الملوحة ( 1,8 كيلوغرام من الملح لـ 100 كلغ من الفرينة ). وتفيد بيانات صادرة عن المعهد الوطني للتغذية والتقنيات الغذائية أن 30٪‏ من التونسيين الذين تتراوح أعمارهم بين 30 و 70 سنة يشكون من مرض ارتفاع ضغط الدم. وتمثل الوفيات الناجمة عن أمراض القلب وتصلب الشرايين 28,9٪‏ من إجمالي الوفيات، ويعتبر استهلاك الملح بكميات وفيرة أحد الأسباب المهمة لتفشي تلك الأمراض. ويبلغ معدل استهلاك التونسي من مادة الملح بـ 10 غرامات في اليوم، بينما تنبه المنظمة العالمية للصحة إلى ضرورة الإبقاء على استهلاك الملح في حدود 5 أو 6 غرامات يوميا كحد أقصى.
وتقول المنظمة أن تناول الملح بأكثر من اللازم يتسبب في وفاة ما لا يقل عن 2,3 مليون شخص في العالم سنويا.

يوسف قدية

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.