إنها الحرب، حرب بل هوادة

إنها الحرب، حرب بل هوادة

بعد ثمانية وأربعين ساعة من الأحداث لا يبدو أن السلطة القائمة قد استنتجت ما ينبغي استنتاجه، وهو أنّ حربا قد تم شنها على بلادنا ، حرب بلا هوادة.

وفيما ينتظر أن تسفر التحقيقات من جهة، وعمليات تحليل الحامض النووي عن نتائجها، فدلائل كثيرة تشير إلى أن الهجوم على بن قردان ، هو من فعل تونسيين في غالبهم، قد يكون من بينهم أعداد من الأجانب.
وإذ صح ذلك ، فإن المؤكد أيضا هو أن المهاجمين من الإرهابيين قد استعملوا الأرض الليبية للإقامة والتدريب ، وربما وفدوا من أصقاع أخرى بعد أن حاربوا فيها ، سعيا لإقامة خلافة إسلامية عفا عليها الزمن ، وانقرضت ذيولها الأخيرة منذ قرن.
وإزاء هذه الحقائق فإن الواضح أن عدوانا خارجيا ارتكب ضد بلادنا، وحرمتها الترابية وسيادتها، ينبغي مصارحة الشعب بأصوله، كما بتبعاته القانونية، والتصرف وفقا لذلك بشأن من وقف ويقف وراءه، وتسمية الأشياء والدول بأسمائها ،
إن ما حصل يذكر بعدوان مماثل حصل في 27 جانفي 1980 عندما هاجم كومندوس من التونسيين المدربين في ليبيا، والوافدين عبر الصحراء الجزائرية بمعرفة القيادة الليبية آنذاك المورطة حتى الأذقان ، وعناصر قيادية جزائرية بقيادة شخصية رسمية تدعى "هوفمان " معروفة بعدائها لتونس وكانت تأتمر مباشرة بأوامر الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين الذي كان توفي في الأثناء ، وهو عدوان تعاملت معه السلطة التونسية آنذاك بالحزم اللازم ، فواجهته كما هذه المرة بقوة السلاح ، ولكن أيضا سياسيا ودبلوماسيا في المحافل الإقليمية والدولية، ما مكن تونس وقتها من نيل تعاطف عربي ودولي واسع حيث سارعت المغرب ومصر (رغم العلاقات الدبلوماسية المقطوعة ) إلى عرض مساعدتها العسكرية ، وتم تأييد عربي ودولي واسع ، فحومت على مقربة من مياهنا والمياه الليبية قطع بحرية تابعة للأسطول السادس وجيش البحر الفرنسي ، ما  أثنى العقيد القذافي عن كل تدخل كان ينويه ( استجابة لنداء من المهاجمين في قفصة)، وما جعل السلطات الجزائرية بعد انتقال السلطة للرئيس الشاذلي بن جديد تعبر عن تبرئها من العملية  والتنديد بها.
إننا نعرف اليوم وبوضوح مكمن الخطر، ومن أين يأتينا ، ومن يقف وراءه في ليبيا الشقيقة ، التي لا يحمل شعبها الطيب تجاه تونس إلا كل نوايا الخير، ولكننا نعرف أيضا أن فجر ليبيا، الذي يسيطر بدون وجه حق وبعد سقوطه في انتخابات 2013-2014 على جانب من الجزء الغربي الليبي، يأوي إرهابيين ويسمح بل يشجع على تسليحهم وعلى تدريبهم ، ولقد بلغ التسامح التونسي حده ، مع كل الأعمال الإرهابية التي حصلت في جبال تونس، وفي مدنها بباردو وسوسة والعاصمة تونس، ولكن وهذه المرة فإن ما حصل يتجاوز كل منطق حسن الجوار المفترض بين دولتين متجاورتين وشقيقتين، ذلك أن ما حصل في بن قردان هو عبارة عن شن حرب بأتم معنى الكلمة  وعدوان خارجي موصوف، يستهدفان السلامة الترابية، والسيادة الوطنية لبلد مستقل ومعترف به دوليا، إذ لا يغيب عن الوعي أن الوافدين مهما كانت جنسيتهم قد تسلحوا في ليبيا، تحت أنظار وأسماع سلطة فجر ليبيا الذي هو فرع ليبي للإخوان المسلمين، ينال التأييد والدعم من دول مثل قطر وتركيا ، ولكن أيضا جهات متنفذة في المملكة العربية السعودية، وأن ليبيا ومنذ سنوات تأوي تحت رعاية فجر ليبيا إرهابيين تونسيين وغير تونسيين  في مقدمتهم أبو عياض ، وترفض تسليمهم لمحاسبتهم على جرائمهم الإرهابية في تونس وغير تونس.
واليوم وقد اتسع الفتق على الراقع ، وتمت مهاجمة مراكز سيادية ، بقصد إخضاعها واعتمادها إمارة تحت لواء خلافة وهمية، فإنه لم يعد من بد لاستنتاج ما ينبغي استنتاجه :
  • اعتبار أبو عياض من جهة ، وغيره من تونسيين وليبيين ومن جنسيات أخرى مجرمي حرب ، والتسليم الفوري للسلطات التونسية قصد المحاكمة العادلة.
  • وفي حالة الرفض والمماطلة وقف كل الصلات بفجر ليبيا واعتبارها مؤسسة إرهابية .
  • دعوة كل التونسيين في المنطقة الواقعة تحت سيطرة فجر ليبيا للعودة إلى بلادهم ، وكل من يفضل البقاء فذنبه على نفسه.
  • تقديم شكوى إلى جامعة الدول العربية وإلى منظمة الأمم المتحدة واستصدار قرارات ضد هذا السرطان الذي يحاول أن يوهم بأنه هو الدولة الليبية.
  • عدم الخضوع مستقبلا لإملاءات فجر ليبيا ، والتحرير تحت ضغط شديد لشخصيات ليبية متورطة مطلوبة للعدالة التونسية وذلك قبل محاكمتها.
  • التعامل مع الدول التي سهلت ترحيل إرهابيينا ومولتهم واشترت ضمائرهم وغررت بهم ، معاملة الدول المعادية أو على الأقل غير الصديقة.
إن تونس اليوم في حالة حرب معلنة ، والأطراف التي تحاربنا في عقر دارنا معروفة ، ولم يعد محتملا هذا التأخير في التعامل مع هذه الحقائق الواضحة ، خصوصا وأن اعتقادا سائدا اليوم بأن عملية بن قردان لن تكون الأخيرة ، وأن من خططوا لها ، ومن غرروا بمن نفذها ، لن يرعووا ولن يعودوا للجادة ، ما داموا يجدون الرعاية إن لم يكن التشجيع ، من قبل نفس الجهات ،قريبة أو بعيدة جغرافيا ، التي تحارب الشعب التونسي من وراء ستار.
                                                                                        عبداللطيف الفراتي
 

 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.