أخبار - 2016.03.08

ريم محجوب نمرة " آفاق تونس " في عـرين باردو

ريم محجوب نمرة " آفاق تونس " في عـرين باردو

الرياضة والرياضيات والطب؛ هوايات ثلاث أخذت من مريم محجوب كلّ جهدها وكلّ وقتها طيلة سنوات الشباب... هوايات شغلتها تماما في تنقلاتها بين المهدية وصفاقس والمتلوي وتونس ومارستها تعلقا واختيارا، تماما كما اختارت أن تتابع دراستها في كلية الطب، وطبّ الأشعة على وجه التخصص.

عهدها بالسياسة متأخـر بعض الشيء، بدأ حين انبلج على البلاد فجـر جديد، فجر الرابع من جانفي سنة 2011، وكان انخراطها في حـزب آفاق تونس امتدادا طبيعيا لدخولها حلبة السياسة وانتخابها ثانية في المجلس الوطني التأسيسي في نفس السنة بهِمّة وباقتدار، فغنمت من ذلك كله بعض صيت وذِكْر ترسّخا بعد انتخابها مجددا كنائبة من دائرة المهدية في مجلس نواب الشعب.

لكن لريم محجوب حياتها الخاصة في رحاب الأسرة، تستهويها موسيقى المالوف التونسي وتقاليد البلد الأصيلة... أصبحت السّيدة محجوب ، وقـد شارفت على الخمسين، أيقونة في المشهد السياسي العام وأحد الوجوه النسائية ذات الباع والذراع والتأثير في تاريخ البلد، يُسَمُّونها "نمرة باردو "...

حين تلتقيها بين ردهات قصر باردو، تشُــدُّك شدّا بممشوق قوامها، وعذب كلامها، وسلاسة خطابها بنبراته المُهادِنة حينا، والمنفعلة حينا. فلكأنها تختزن جماع صفات المرأة التونسية وطباعها.تتولى ريم محجوب في رحاب مجلس نواب الشعب رئاسة كتلة حزب آفاق تونس وتمارس مهامها النيابية بكل اعتداد وحنكة، وفي أجواء تتوتر أحيانا وتنفرج أخرى، تذكِّر بما كان سائدا زمن المجلس الوطني التأسيسي

في هذا الصدد تقـول السيدة ريم في حديث أجـرته معها مجلة " ليدرز " : "المعركة التي أثارها مشروع الدستور كانت استثنائية بحق، والمخاض كان عسيرا ومتماديا وشاقا. وانتقلت المواجهة من قبـّة المجلس وقاعات اللجان إلى ساحة باردو، فتحوّلت إلى اعتصام كان تاريخيّا بحـق، وحصل ما حصل ليلة 13 أوت التي ستبقى ذكراها عالقة في الأذهان لأعوام وأعوام ... كنّا في شبه لعبة توزيع الأدوار، وقمنا بأعمال جليلة تقاسمناها جميعا، ورتَّبنا مداخلاتنا وتعالت أصواتنا عالية مرّة وخافتة أخرى، وكان حوارنا مزيجا بين دفاع وهجـوم، وبوسعكم الاطلاع على هذه الأمور جميعا حينما يتم نشر المناقشات التي دارت في إطار الحوار الوطني وعلى مستوى لجنة التوافقات برئاسة د. بن جعفر". 

"أنا وزيـرة؟! كيف لي أن أكون وزيرة وعليَّ أن أواصل عملي تحت قبة مجلس نواب الشعب؟... "

 كان الدستور حقيقة مبعث اعتزاز وفخر بالنسبة إلى مريم محجوب؛ غير أنها تعتقد أن جهود الديمقراطيين قد انصبت أكثر من اللزوم على مسائل تتعلق بالانتماء والذاتية والمرجعية والنظام البرلماني، إلى جانب مواضيع أخـرى في علاقة بِالحُريات، ولم ينصرف الاهتمام بالقدر الكافي إلى الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، وقد حان الوقـت لكي نأخذ هذه الجوانب في الاعتبار، وننصرف في نفس الوقت إلى وضع الدستور موضع التنفيذ  ونعجّل بتركيز المؤسسات الدستورية

وتمضي ريم محجوب قائلة: " تنفيذ الدستور يبقى هو الأصل، وكذلك استجلاء معانيه وتأويله..." 

دُعِيتْ ريم محجوب إلى الانضمام إلى حكومة الحبيب الصيد، لكنها ردت الدعوة بكل لباقة، لأنها تقدِّر أن مهمتها في قصر باردو لم تحِن نهايتُها بعد...

 لنستمع اليها وهي تشرح موقفها في هذا الصدد: "... لقد انصرفت بكـلّ طاقتي وكـلّ جهدي ومن اليوم الأول إلى أداء هذه المهمة الملقاة على عاتقي، وليس بوسعي التّخلي عنها حاليا، وسواء أتعلق الأمر بصياغة الدستور أم بتطبيق الدّستور، فالأمر واحد، ولا مفر من تسخير كـلّ وقتي وكـلّ جهدي لإنجاز هذا العمل..."

حينما تقدمت ريم لانتخابات المجلس الوطني الدستوري في أكتوبر 2011، ذهب في ظنها أن مهمّتها البرلمانية ((صياغة الدستور) سوف لن تأخذ منها أكثر من سنة واحدة بحسب ما كان مقررا، لكن مرّت السنة الأولى ومرّت الثانية فالثّـالثة ... ثم انتخبت لفترة نيابية ثانية تمتد على خمس سنوات،، فما باليد حيلة إذا، وعليها أن تواصل المهمة، فليس من جِـبِلَّتها ولا من طبعها أن تنسحب من ميدان المعركة إلى مباهج الحُكْم وإغراءاته.  

تضيف ريم محجوب: " ... لقد غـمرتني الأسرة بفيض عطفها وحنانها، لكن بلا تغنّج وبلا فَرْطِ دلال...". هي بالفعل سليلة عائلة عريقة، آخذة بأسباب المعرفة والعلوم والنضال السياسي. في هذه الأسرة أستاذ الرياضيات العم بشير الذي قضى فترة ليست بالقصيرة في منصب مدير عام البحث العلمي بوزارة التعليم العالي، وفيها من هـو متخصّص في عـلم الكيمياء مثل الوالد محمد محجوب الذي اشتغل مهندسا بشركة الفسفاط بقفصة، ومن هم خِرَِّيجو المعاهد العليا الفرنسية، كما هو شأن بعض أبناء وبنات الأعمام والأخوال. وللأسرة قرابة بعائلات مرموقة كعائلة التركي ( من بين أعضائها بشير التركي خبير الطاقة النووية ) وعائلة الزواوي ( من بين أعضائها مختار ومصطفى وحسن وهم من سامي كوادر الدولة التونسية المستقلة )، وعائلة المصمودي وينتمي إليها محمد المصمودي الذي سبق أن شغـل منصب وزير للشؤون الخارجية في عهد بورقيبة وهو عـميد العائلة ( كانت ريم محجوب قد قضت سهرة طويلة في نقاش دار في بيت محمد المصمودي شاركت فيه الى جانب هذا الأخير ومعهما رجل المحاماة الشهير الفرنسي جاك فرجاز Jacques Verges، وتقول أن ما دار من حديث ونقاش حينذاك قد أرهف حسّها السياسي ). كانت كل الظروف مهيًَّأة إذًا كي تذهب ريم بعيدا في دراساتها الأكاديمية وتتوغَّـل في معترك الدّبلوماسية والسياسة. هذا الإرث الجيني الذي رُزِقتْه سيطبع بقوة وفي العمق كل مساراتها في الحياة، آخذة بأسباب العلم، متشبثة  بحسن الخُلُق ونقاوة الضمير

عاشت ريم في طفولتها مدة من الزّمن في العاصمة الفرنسية باريس حيث كان والدها يدرِّس في جامعة ساكلي، قبل أن يلتحق بشركة فسفاط قفصة. اشتغـل بداية في مدينة صفاقس قـبل أن تتم نقلته الى مدينة المتلوي، حيث استقر مُقام الأسرة في أحد البيوت الفسيحة التي كانت في ذلك الوقت من نصيب المهندسين والمديرين العامين.

تقول السيدة محجوب وهي تستعرض بعض ذكرياتها عن تلك الفترة: "... لا أنسى ما حييت هذه الحقبة من حياة الأسرة. مقامنا كان مريحا و نظيفا ومهيَّأ على نحـو جيد...  منازل فسيحة الأرجاء، في كل منزل حديقة، وفي كـل حديقة ركن مخصص لتربية الغزلان وطائر الطاووس والعصافير. وللترويح على النفس، هُيِّأت في هذه البيوت ملاعب لتعاطي رياضة الـتنس، بالإضافة إلى نادٍ للفروسية، فكنا نقضي أوقاتنا بين الدراسة في فصول تستقبل عامة أبناء عمال المناجم وبناتهم، وتعاطي رياضة التنس والفروسية رفقة أبناء سامي الموظفين... كان يغمرني شعور قوي بالسعادة بالرغم من الصرامة التي كان يعاملني بها الوالد الذي كان يمنعني من مغادرة البيت بعد الساعة السادسة مساء بالتدقيق، وكذلك من الوالدة التي كانت حريصة جدا على التقيد بجملة من القيم الأساسية. وكنا نجد في كل صائفة في مدينة المهدية ما به نعوِّض عن عناء الدراسة ومواظبة الرياضة، فنصطحب أبناء العم والخال وبنات العم والخال إلى شاطىء البحر نهارا وبعض السهرات الشبابية مساء....". تضيف ريم أنها الشقيقة الكبرى لثلاثة إخوة هم كريم وهو إطار في إحدى المنشآت الكبرى ، ومهدي وهو رئيس مؤسسة City-Cars ( كيا ) ومعز وهو طبيب.

من الرياضيات إلى الطب

عندما قرب موعد امتحان البكالوريا، طلب سي محمد محجوب أن تتم نقلته إلى صفاقس وذلك حرصا منه على ضمان نجاح الأبناء في الدراسة. التحقت الابنة ريم بثانوية مجيد بوليلة (النصرية) وكانت من أنجب التلاميذ، كانت متفوقة في مادة الرياضيات، وكلّها عزم على تقفي خطى أبناء وبنات الأعمام وتمني النفس بالالتحاق بأحد المعاهد العليا الفرنسية بعد انتهاء دراستها في الثانوية. وما كان امتحان البكالوريا ليشغل بالها أكثر من اللزوم، فهو في المتناول تماما. إلا أن الأمور تطورت فجأة ... كانت بصدد اجتياز الامتحان حينما حصل ما لم يكن في الحسبان وما بعثر كلّ الأوراق: في آخر يوم من أيام الامتحان،  أصابتها وعكة صحية آلَمَتْها وحالت دون إتمام الامتحان . أُخًذتْ الى أحد المستشفيات على عجل لإجراء بعض الفحوص. "... كان كـلّ مرادها أن تلتحق بأحد المعاهد العليا والتخصص في مادة الرياضيات، لكـن الظروف شاءت غير ذلك. وتلقّت من وزارة التعليم العالي وَعْدا بتمكينها من منحة دراسية لمواصلة الدراسة في الولايات المتحدة... وبعد أخذ ورد، استقر الرأي على أن تلتحق ريم بكلية الطب بتونس...

لم تكن الحياة الجامعية مجـرّد فترة عابرة. دراسة الطب تتطلب التحلي بطول النفس والمثابرة بلا كلل والانخراط في المناوبات الليلية في المستشفيات والمشاركة ـ على مضض ـ في بعض اللقاءات والتجمعات الطلابية الصاخبة التي كانت تعقدها جناحات الاخوان المسلمين واليسار الطلابي... كانت ريم حريصة جدا على مواساة المرضى وشد أزرهم وتعهدهم بالعلاج والرعاية  وكانت تجد في كل ذلك كثيرا من المشقة والعناء

اختارت ريم أن تتخصص في طبّ الأشعّة. ويُعَدُّ التصوير الإشعاعي أكثر التخصصات الطبية ذيوعا وأهمية وتُستعمل فيه تقنيات متطورة جدا. التحقت ريم محجوب بقسم الدكتور راضي حمزة بمستشفى شارل نيكول بالعاصمة حيث قضت عامين ونصف ووجدت كلّ الظّروف متوفّرة ومهيَّأة خاصة من حيث التأطير الذي كان على قدر كبير من الجودة. وكان لا بد من أن تُكْمِل مشوارها الدّراسي في باريس ولم يكن ذلك بالأمر الهين. حصل ذلك بعد زواجها من أحد زملائها هو الدكتور لسعد المصمودي وأنجبت أول أبنائها إلياس وهو اليوم في الثالثة والعشرين من عـمره، يواصل دراسته في ألمانيا، اختصاص هندسة ألكترونية. ولم يبخـل زوجها بتشجيعها على مواصلة الدّراسة في العاصمة الفرنسية على أن يتولى هو شؤون الطفل إلياس بمعيّة والدة ريم . وكان كثيرا ما يشدّ عصا التّرحال إلى باريس لزيارتها وكان يأخذها معه الى بيت قريبها الوزير السابق محمد المصمودي حيث تتاح لها فرصة المشاركة في عديد اللقاءات والخوض في المسائل السياسية 

كيف استهوتها السياسية؟ 

لم تكن ريم في ذلك الوقت تعير اهتماما كبيرا للسياسة والسياسيين، إنما كانت تقف من ذلك موقف الرّيبة والامتعاض، وتعتقد أنه لا يليق بسيّدة في مثل مستواها العلمي والمعرفي أن تنخرط في نقاشات صاخبة يشارك فيها أناس تحرّكهم دوافع وأطماع شخصية. وما كان ليخلد ببالها قط أن الأمر سينتهي بها في يوم من الأيّام إلى الابتلاء بالسياسة ودخـول غمارها.

ثم أنجبت ريم بنتا سمّتها زينب هي اليوم في الثامنة عشرة من عمرها وتُحَضِّر لاجتياز امتحان البكالوريا في نهاية السنة، وهي شديدة التعلق بأمّها، ترافقها حينما تحضر بعض الاعتصامات والوقفات الاحتجاجية... لكن حياة ريم انقلبت ظهرا على عقب. حصل ذلك يوم 14 جانفي 2011. في السنوات الأخيرة التي سبقت الثورة، بدأ اهتمام ريم بالنقاشات السياسية التي كانت تجري في حلقات ضيقة داخل الأسرة أو في لقاءات بين بعض الأصدقاء القريبين من الأسرة. وكان يغمرها شعور بالاستياء العميق وتتطلّع بشوق إلى اليوم الذي سيتم فيه التحرّر من ربقة الاستبداد والدكتاتورية. كان يدفعها ذلك إلى اللجوء الى مواقع التواصل الاجتماعي وما تزخر به من معلومات وتدوينات وتعاليق، وشدّ اهتمامها ما حصل في مدينة سيدي بوزيد من احتجاجات ومظاهرات صاخبة بعد أن أقدم بوعزيزي على الانتحار حرقا، وهو ما حز في نفسها كثيرا وأثار اشمئزازها ودعاها الى النّزول في شارع الحبيب بورقيبة رفقة ابنتها وزوجها. تقول ريم وهي تستحضر بعض الذكريات: "... في ذلك اليوم، هبّت علينا نسائم الحرّية فتنفّسناها ملء الرئتين.... وانتقلنا بعدها إلى القصبة 1 ثم إلى القصبة 2، تدفعنا رياح الحرّية دفعا، ويغمرنا شعور بأنّ الأحوال آخذة في التغيير، وأن ساعة الانفراج قريبة، وهو الأهم..."

" ما ضر لو انتظرنا قليلا "

لم تنقطع ريم وزوجها لسعد عن التردد على منتديات الحوار والمنابر السياسيّة، في انتظار حلول صباح جديد مفعم بالبِشر والأمل. انخرطت في حزب آفاق تونس أسوة بالكثيرين من شباب تونس خريجي المدارس الجامعية العليا ومن الأطباء والمحامين والكوادر والمحاسبين ورؤساء المؤسسات وكلّهم قرّروا من اليوم الأول الانخراط في العمل السياسي وكانوا من مؤسسي هذا الحزب المتأهّب لأخذ مكان له في صدارة المشهد السياسي. وكان بعض هؤلاء المؤسّسين كإلياس الجويني وياسين إبراهيم والمهدي حواص وسعيد العايدي انضموا مباشرة بعد الثورة إلى حكومة محمد الغنوشي.

ها قد مضى اليوم خمس سنوات عن إنشاء هذا الحزب، فهل بقيت ريم محجوب على تعلّقها القويّ به ونضالها في صفوفه؟ تقول ريم: " ... إني باقية في هذا الحزب الذي اخترت أن أنضم إليه. لقد تعلمت الكثير وأتيحت لي فرصة المشاركة في حلقات تكوين وتدريب وِفْقَ برامج ومناهج مدروسة ومنتقاة بدقة. صحيح أنّ تعدادنا لم يتوسع كثيرا لأننا نتوخى التحرّي الكامل والحذر على مستوى الانخراطات. لكننا نظلّ حريصين على جلب من نتأكد من استعداده وقدرته على مشاطرتنا جملة من الرؤى والقيم. فعلينا الانتظار. لكن تعدادنا في تزايد..."

 

لقراءة المزيد 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.