عبداللطيف الفراتي: في تونس تعددت الدول، وغابت الدولة

عبداللطيف الفراتي: في تونس تعددت الدول، وغابت الدولة

في تونس اختلطت المفاهيم ، وأصبح الواحد منا حتى رجل السياسة ، لا يفرق بين الدولة والحكومة والسلطة ، هذا فضلا عن الخلط بين تعبير الدولية ( برفع الدال) أو الدولية ( بتسكينها) ، ولكل معناه بين ما هو منسوب للدولة ( étatique) وما هو منسوب للعالم (international) . غير أن الأخطر هو خلط المفاهيم بين الدولة والحكومة والسلطة ، فالدولة في معناها كما جاء في العلوم السياسية هي شخصية اعتبارية ، تضم كل مكونات المجتمع من سلطات ثلاث كما حددها فلاسفة عصر الأنوار من فولتير ومونتسكيو وغيرهم ، الذين نظّروا لفصل السلط بين ما هو تشريعي رقابي ، وتنفيذي ، وقضائي ، ومن أحزاب ونقابات ومجتمع مدني وغيرها من مكونات الدولة ، ومن هنا فإن رئيس الدولة سواء كانت جمهورية أو ملكية أو في أي شكل آخر من الأشكال هو رمزها ، فضلا عن أية صلاحيات أخرى يعطيه إياها على اختلافها النص الأساسي  الذي ينظم  سير الدواليب ويضمن الحريات العامة ، وكذلك كيفية التسيير سواء كان دستورا، أو عرفا.

غير أن تونس تعيش اليوم في ضبابية غامقة، سواء بشأن مفهوم الدولة، أو بشأن خلط كبير في السلوك.

ولعل ما تعرفه البلاد اليوم، يطرح سؤالا كبيرا، هل هناك دولة أم دول متعددة بين ظهرانينا، فلقد بدا بعد الثورة، ولنقل ذلك تجاوزا، أن هناك الدولة القاصرة في تحديد أدوارها، وفي القيام بواجباتها، وعدة دول أخرى تشقها تجاذبات حادة تكاد تقطع أوصال الدولة كما هو متعارف عليها، إن لم تكن قد قطعتها بعد.

ولعل ما يلاحظ وبالعين المجردة، أننا يمكن اليوم أن نتحدث عن دولة النقابات سواء كانت نقابات عادية همها المطالبة ، غير عابئة بإمكانيات البلاد، بما يذكر بما كان عليه الوضع أيام الجمهورية الرابعة في فرنسا بين 1945 و 1958، وقبل أن يأتي الجنرال ديغول بالجمهورية الخامسة، ويعيد الأمور إلى نصابها، وبعض نقابات الأمنيين الطارئة على بلادنا، كما يمكن أن نتحدث عن دولة القضاة، وإذا كنا نفصل السلط بما يقتضي أن تكون السلطة القضائية منفصلة عن السلطة التنفيذية مستقلة عن التنفيذي والتشريعي، فإن السلطة القضائية ليست منفصلة عن الدولة، كما إن الموظف هو الموظف في كل أعراف الدنيا وهو ليس دولة برأسها، ولعل الموظفين الذين يعتصمون ويطالبون بعزل رئيس لهم، ربما لأنه يقوم بواجبه في تسيير المرفق الموكول إليه قيادته بكفاءة، ويمنع عنه انعدام الانضباط، أو ربما لأنه لا يعجب لصفته العسكرية، أو لأي سبب لا يمكن أن يدخل في اختصاصات السلم التراتبي، فالوزير وزير وهو المسؤول عن التعيينات، وليس للموظف في القطاع العام أو المستخدم في القطاع الخاص (نقابيا أو غير نقابي) أن يكون الآمر الناهي. أو الوصول  لحد اقتحام حرمة أكبر جهاز تنفيذي في البلاد  لمطالبة قد تكون مشروعة أو غير مشروعة.
وقس على ذلك الكثير.

وكان من نتيجة غياب الدولة، أو لعله على الأصح القول السلط الموكول لها تسيير البلاد أي بالذات الحكومة، أن انهار الإنتاج والإنتاجية في البلاد، ومن هنا جاء التصنيف المخجل من أجهزة عالمية، بأن إنتاج وإنتاجية العمل في تونس قد انخرمت، وباتت في أدنى أحوالها، فيما المتعارف عليه أن العمل، والموارد البشرية هما أكبر ثروة في بلد معين، وليس الخامات أو الموارد المادية .
ومن هنا فإن تعدد المظاهر التي تقدم نفسها عمليا على أنها الدولة، في غياب الدولة الحقيقية، هي أكبر سبب للتراجع السياسي و الاقتصادي الملاحظ منذ خمس سنوات في البلاد، ألم يكتب المفكر الأستاذ مصطفى الفيلالي في جريدة "الصباح"، مقالا بعنــــوان "هل بقيت في تونس دولة".؟

عبداللطيف الفراتي

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.