يوميات مواطن عيّاش: عيد الحب...عيد وطني؟

يوميات مواطن عيّاش: عيد الحب...عيد وطني؟
حدثني صديقي العيّاش، وكيف حلاوة كلامو ماثماش، قال : «كنت في ما مضى من العمر، أعتبر شهر فيفري أرحم شهر، لأنه خفيف نظيف، يأتي – مع قصره- بين جانفي الثقيل ومارس الطويل...»  قد تقولون : «وهل لفارق يومين أو ثلاثة بين الشهور أهمية ؟»، فأجيب : «إن المسألة لا تعدو أن تكون نفسية، والأمور في كل شيء نسبية، وكذلك الطول والقصر، في حياة البشر». 
لكن أمرا طرأ في السنوات الأخيرة، غير علاقتي بشهر فيفري الأثيرة. إنه عيد الحب، ذلك الذي لم نكن نعرفه في صحف ولا في كتب، فإذا به- ودون أن ندري-  يتسرب إلى حياتنا، ويدخل شيئا فشيئا إلى عاداتنا، وإذا ببعضنا يعد  له البرامج والمواكب، ويستقبله بالاحتفالات والمآدب، ويشتري للأحبّة الهدايا والزهور، والقلوب كلها بهجة وحبور.
قال العياش: ولا تظنوا أن لي مشكلة مع فكرة هذا العيد، فأنا بها- على عكس ما قد تعتقدون- مسرور سعيد. فالحب، على رأي ابن حزم الأندلسي، «ليس بمنكر في الديانة، ولا بمحظور في الشريعة»، وأنا مع فقيهنا الجليل، سيما وكلامه لا يقبل أي تأويل.
لكن مشكلي مع هذا العيد مشكل لديكم ولدى الجميع معروف. نعم، المسألة لا تعدو أن تكون مسألة مصروف، إذ لا بدّ في هذه المناسبة من  هدية فاخرة، ومأدبة عشاء زاخرة، وتلك مصاريف ترهق كاهل الميزانية، وهي التي لاتزال تعاني تبعات الاحتفال بالسنة الميلادية.
وإذا تجاوزت قضية انخرام الميزانية وتراكم  الديون، وقلت : «في سبيل الحب كل شيء يهون»، تبقى مع ذلك مشكلة المشكلات، ومعضلة المعضلات: ماذا أهدي «المدام» في هذا العيد، لأعبر لها عن حبي الشديد؟ فأغني مع علي الرياحي ملك الطرب: «احترت آش نهدي لك يا حلوّة يوم العيد قرب»، أو أردد مع ناظم الغزالي، وقد نطق بلسان حالي :
أي شيء في العيد أهدي إليـك*** يا ملاكي وكل شيء لديــك
وعندما أهتدي أخيرا إلى حل القضية، ويجود عقلي بفكرة هدية، أجد نفسي كل عــام إزاء أزمـة ضمير، لا بدّ لي أن  أعيشها  قبل تقرير المصير : فهذا جاري الذي على يميني يقول لي إن هذا العيد بدعة من بلاد الكفّار، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. وهذا جاري الذي على يساري يقول لي إنها  «طلعة» رأسمالية، اخترعها تجار الغرب لتنشيط الدورة الاقتصادية، وما نحن في نهاية الأمر إلا ضحية لعبة استهلاكية.
لكنني أسدّ أذنيّ على هذا وذاك، وأمضي بنفسي إلى «نار جهنم» و«فخ الاستهلاك»، وأنا بهما فرح مسرور، أردد ما قاله ذلك المتصوّف المشهور(*):
أدين بدين الحب أنّـى توجهت *** ركائبه فالحب ديني وإيمانـي
قال العيّاش: ومع مرور السنوات، وأنا أحتفل بعيد الحب، حصل لي انطباع قوي بأنه أحد أعياد الشعب، فما ضرّ حكومتنا الأبية، لو أضافت «سيدي فالنتان» إلى قائمة أعيادنا الوطنية ؟ فالحب هو الجامع بين التونسيين والتونسيات، بقطع النظر عن المذاهب والإيديولوجيات. ولو أسّس للحب حزب ببلادنا لأصبح حزب الأغلبية بعد بضع سنوات!
(*)محيي الدين ابن عربي  
عادل الأحمر

 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.