الإصلاح : البيداغوجيا والمنهجية

الإصلاح : البيداغوجيا والمنهجية

تمهيد:

أنهت تونس الفترة الانتقالية بإنجاز الانتخابات التشريعية والرئاسية في مواعيدها وبذلك تكون قد خطت خطوة هامة في إنهاء مسار الانتقال الديمقراطي والتداول السلمي على السلطة.

ومن أجل الدخول بالبلاد في الإصلاحات الحقيقية ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي والمؤسساتي التي تأخرت البلاد في إنجازها لأسباب عديدة أهمها تقديم الاستحقاق السياسي والتأسيسي وضرورة توفر المناخ الملائم للقيام بتلك الإصلاحات (حيث لا يمكن إطلاق الإصلاحات والتجاذب السياسي على أشده في البلاد) .وتعتبر الظروف التي توفرت لحكومة ما بعد انتخابات أكتوبر 2014 عند إنطلاقها من توافق سياسي واسع فرصة سانحة للبدء في هذه الإصلاحات حيث لا تتحمل البلاد مزيدا من التأخير لخطورة ذلك على الاستقرار العام للبلاد و حتى على المسار الديمقراطي (فما يمكن القيام به الآن لا يمكن القيام به بعد سنة وليس بنفس الكلفة والشروط).

وتتطلّب الإصلاحات تصورا ومنهجا وبيداغوجيا وتواصلا وخبرة وكفاءات وتوافقا بين الفاعلين السياسيين والفاعلين الاجتماعيين وكل المعنيين بهذه الإصلاحات بشكل عام ،إضافة إلى ذلك وقبل كل شيء قيادة تتمثل كل ما تقدم وتقود كل هذه العملية .

وعلاوة على هذه الإستحقاقات الإصلاحية هناك استحقاقات دستورية تأسيسية في إطار استكمال البناء المؤسساتي وتثبيت الانتقال الديمقراطي : الهيئات الدستورية .والسلطة المحلية والجهوية.. (لا ننصح بالاستعجال في الحكم المحلي قبل الانتهاء من السلطة المركزية فإلى الآن لم نصلح ونحين النصوص والهيكلة لرئاسة الحكومة ولمجلس نواب الشعب... ) وبشكل مترابط ومتواز ليس بتقديم أحد الاستحقاقين على الأخر ولكن بالتوازي وفي النهاية فإنّ استكمال الهيئات الدستورية يدعم مقومات النجاح للإصلاحات لأنّ فيه تعزيزا للمشهد المؤسساتي .

سنة ونصف بعد الانتخابات التشريعية وحوالي 13 شهرا من العمل الحكومي، نعتقد أنّ الحصيلة في النقطتين المركزيتين لم تكن في مستوى الانتظارات وما تتطلبه البلاد من سرعة.

بناء على ما تقدم، لا بد للبلاد من خارطة طريق وأجندة وطنية لاستكمال المؤسسات الدستورية والإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية وهذا يتطلب تصورا ورؤية وخارطة طريق و رزنامة أو ما يمكن أن نطلق عليه خطة وطنية .
فتحقيق الإصلاحات وإتمام المؤسسات يعتبر من أهم شروط وركائز نجاح الاستقرار الديمقراطي والمشروع الوطني الإدماجي  المرتكز على التوافق والذي يقطع مع الإقصاء (مهما كان مصدره ومهما كانت خلفيته).

في منهجية وبيداغوجية إدارة الإصلاحات (هندسة بناء التوافقات)

يفترض كل إصلاح تقديم إجابة حقيقية وعملية لإيجاد حل لمشكل أو تحسين وضعية ولا بدّ أن تكون هذه الاجابة قابلة للتنفيذ.
ففي النهاية، هدف كل عملية إصلاحية هو المواطن والسياسة الإصلاحية في المحصلة هدفها إحداث التغييرات اللازمة من أجل الوصول إلى أفضل توزيع ممكن للموارد.
أي عملية إصلاح تعني بشكل أو بأخر القيام بتغيير في مستويات ومجالات متعددة (سياسات, مؤسسات و قوانين ...الخ)
كيف نقوم بهذا التغيير ؟
وخاصة كيف ننجح في ذلك؟
تتمثّل أهم شروط نجاح أي تغيير وأي عملية إصلاح في ما يلي:

معرفة دقيقة للثقافة المجتمعية وطريقة التعاطي مع التغيير
إدراك التوازنات قبل عملية الإصلاح (كل وضعية هي نتيجة قواعد وقيم ومصالح....)
أي تغيير للقواعد والنظم لأي وضعية لا يمكن إلا أن يثير  ردود أفعال معارضة (تختلف حدتها حسب الظروف....)
لا بد من تشخيص دقيق للبيئة التي تتنزل فيها عملية الإصلاح والأخذ في الاعتبار الزبونية والمحاباة والفساد
وتضارب المصالح الخ... ولاتسهل كل هذه العوامل المعقدة عملية الإصلاح والتغيير مما تجعل بعض السياسيين وخاصة من هم في الحكم يؤجلون عملية الإصلاح، سواء خوفا من تداعياتها على الاستحقاقات الانتخابية أو الخوف من المجازفة وعدم تحمل مسؤولية  التغيير،وبالتالي يبقى موضوع الإصلاح في الخطب والندوات مما يفقد الأشياء معانيها.. .
بناء على الإكراهات التي تحيط بأي عملية إصلاحية وبملف الإصلاحات بشكل عام وحتى لا نبقى في التعاطي النظري مع الموضوع يجب إدراج خطة الإصلاحات في إطار الممكن عمليا وليس في إطار الأفضل نظريا .
من خلال ما تقدم ومن أجل إنجاح أي إصلاحات لا بد من توفير شروط النجاح كخطوة سابقة لذلك فان الإعداد لمحيط ومناخ ملائم للإصلاحات هي مرحلة أساسية وسابقة،
1) من البديهيات أن الاستقطاب السياسي أو تشرذم المشهد  السياسي والمجتمعي يساهم بشكل محدد في تأخير الإصلاحات وفي حده الأدنى التقليل من القيام بإصلاحات حقيقية وناجعة،
2) الإصلاحات المرغوب فيها اجتماعيا واقتصاديا تولد بالضرورة خاسرين ويمكن أن يكون لهؤلاء التأثير السياسي والميداني لإيقاف مثل هذه الإصلاحات،
3) لا يمكن أن نضمن نجاح الإصلاحات إذا لم تكن الحكومة مسنودة سياسيا واجتماعيا أو أن لم نوفر لها أسباب النجاح الخ

مقترح في التمشي

يجب أن تكون كل عملية إصلاحية موضوع تواصل وحوار وتوافق مع الأطراف المعنية بالمسار الإصلاحي (أحزاب /منظمات /خبراء /)،
يجب أولا تحديد الفئة المستهدفة بالعملية الإصلاحية في كل مجال،
البحث عن الجهة أو الجهات الأكثر تمثيلا لهذه الفئة،
إطلاق حوار وطني عميق للتوصل إلى الملامح العامة لمضمون الخطة الإصلاحية وأهم عناصرها (الإعداد لتوافقات أولية )،
إعداد  وثيقة توجيهية  خاصة بكل مجال بناء على ما تم من توافقات أولية مع الجهة المعنية بالإصلاح،
عقد ندوة وطنية تضم ،إضافة الى الحكومة ،الأحزاب السياسية والمنظمات الاجتماعية والمهنية والخبراء لإعلان الانطلاق في تنفيذ الإصلاحات
تحديد الأولويات ورزنامة التنفيذ للمشاريع الإصلاحية للخمس سنوات القادمة ( عدد الإصلاحات لكل سنة وعلى ماذا سيقع التركيز كل سنة : مثلا 4 إصلاحات لسنة 2016)
عدم الفصل بين المحاور المتقاطعة والمترابطة ببعضها البعض في تحديد الأولويات ( عدم الفصل بين إصلاح منظومة الضمان الاجتماعي والمنظومة الصحية ومنظومة التضامن الاجتماعي ...الخ)
عندها تتوفر لتونس الخطة الوطنية للإصلاحات 
عندها تكون البلاد جاهزة للمرحلة التي تليها وهي هندسة التنفيذ والخطة الاتصالية

في بيداغوجيا وهندسة التنزيل

لقيادة الخطة الوطنية سابقة الذكر (استكمال المؤسسات الدستورية والخطة الوطنية للاصلاحات) ،لابد من حكومة تتوفر فيها المواصفات التالية:
1. حكومة تتمثل الانتقال الديموقراطي
2. حكومة تتمثل الإصلاحات
3. حكومة قادرة على صناعة التوافقات وإدارتها
4. حكومة تتحلى بالشجاعة والمسؤولية
5. حكومة لها قدرات تواصلية مع الشعب للتفسير والإقناع
6. حكومة تتمتع بالإشعاع  الخارجي ....
7. حكومة لها القاعدة السياسية اللازمة للنجاح

التواصل والاتصال وبيداغوجيا التنفيذ

لنجاح حكومة الإصلاحات لابد من سياسة اتصالية مصاحبة لكل مراحل الخطة الاصلاحية .
(إعداد خطة اتصالية قبل انطلاق الإصلاحات وأثناء البحث عن التوافقات وعند انطلاق الخطة الإصلاحية والحرص على تشريك كل الأطراف في الخطة الاتصالية)
تصميم وإعداد مؤشرات كمية ونوعية لقياس تقدم ونجاح العملية الإصلاحية
التقويم الدوري لما تم انجازه وتعديل ما يجب تعديله والإعلام بذلك.
تعزيز رئاسة الحكومة بقطب لادارة الإصلاحات وقيادتها
تعزيز رئاسة الحكومة بقطب لإدارة وقيادة استكمال الهيئات الدستورية وإصلاح المؤسسات الدستورية وفق الدستور الجديد

حبيب الكشو
 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.