أخبار - 2016.01.27

مطالب التشغيل، الآفاق المسدودة، الحلقة المفرغة

 مطالب التشغيل، الآفاق المسدودة، الحلقة المفرغة

 خف ضغط الأحداث، وتقلصت فترة منع الجولان، ولكن للمرء أن يقف عند حقيقتين :

الحقيقة الأولى، هي أن الحكومة ولا المعارضات ، لم تتنبه إلى ما حصل بصورة مسبقة، وإذا كانت العلوم السياسية تقول إن الحكم يعني التنبؤ المسبق gouverner c’est prévoir فإن السلطات التونسية  لم تكن من القدرة على الرؤية ، لتتوقع الآتي ، ولتستطبن أمرا هو آت لا محالة ، بعد أن مرت خمس سنوات على اندلاع الثورة ـ دعنا نسميها كذلك ـ ومرت سنة على تشكيل الحكومة ،دون أن يجد المواطن حلا لوضعه المتردي ، ودون أن يفوز بشغل يتمناه ويحتاجه ، توفيرا لكرامته التي لا تستقيم بغير شغل.

كان الأمر في حاجة إلى شرارة متوقعة ، ولكن غير مبرمجة،  لينفجر وضع كل الدلائل كانت تشير إلى قابليته لانفجار يمكن أن يحصل في أي وقت.

وجاءت الشرارة من القصرين هذه المرة ، فيما اعتبره البعض عن حسن أو سوء نية ثورة ثانية ( إذا اعتبر الإجماع أن ما حصل في 2010/2011 كان ثورة بكل مقومات الثورة)، وكأن الثورات أحداث بسيطة ، تندلع بصورة دورية.

أحداث لها ما يبررها ، فاليأس دفع لها و 700 ألف من الشباب وحتى ممن تجاوزوا مرحلة الشباب ، ينتظرون فرصتهم للعمل ، دون جدوى ولا آفاق مفتوحة ، وحتى للعقلاء منهم من يعرف استحالة ترضية لا يمكن تصورها تحت واقع الظروف الحالية.

إن ما جرى خلال تلك الأيام الكالحة من النصف الثاني من شهر جانفي 2016، وقد سبق لنا أن استعرضنا على الصفحات الورقية لهذه المجلة الأحداث التاريخية لهذا الشهر الساخن ، لم يجد ولن يجد لا بسهولة ولا بصعوبة الحل لقضية بطالة تجرها البلاد منذ الثمانينيات ، وتتعاظم ككرة الثلج المتدحرجة.

ولعله من الغريب في بلد يمارس تحديد النسل ، وينجح في مجاله إلى الحد الذي يهدد بكبير الأخطار توازناته ، أن تصل حدود العاطلين فيه إلى هذا القدر العالي ، ما يستوجب دراسة مستوفية للأسباب والمسببات ، بقصد استشراف حل لن يكون سهلا ولا سريعا.

ووفقا لمتابعة للتطورات على مدى عقود فإن للمرء أن يتوقف عند عدد من الأسباب :

أولها: عدم التلاؤم بين التكوين والتشغيل ، ويكرر الوزراء أن مهنا معينة غير متوفرة ، ما يصل حتى لإعاقة عملية التنمية ، فمجال فنون التبريد والتدفئة، والخراطة والبناء عموما ، وكذلك الإطارات الصناعية الوسطى في هندسة الميكانيك والكهرباء ، مفقودة بعشرات الآلاف، والطلب عليها كبير دون جدوى.

ثانيهما: عدم الإقدام على الانتقال عبر القطاعات ولا عبر الجغرافيا ، في زمن لم يعد فيه المرء قادرا على قضاء كل فترة حياته المهنية (بين 25و40سنة) في ولاية واحدة ولا اختصاص واحد.

ثالثها: الرفض للقبول بأعمال معينة ولا أنشطة محددة ، مثل الفلاحة والصيد البحري ، والاقتصار على طلب العمل المكتبي أو الطموح للنشاط بالياقات البيضاء.

على أن المعضلة الأكبر هي المتمثلة في تقلص الاستثمارات ، سواء الحكومية أو الخاصة وطنية وأجنبية ، وما يعترضها من عراقيل إدارية وغير إدارية ،إضافة إلى الظروف السياسية واستشراء ظاهرة الإرهاب ، وإحجام أبناء المناطق المهمشة ممن أنعم عليهم الله بالثروة  عن إقامة المشروعات في مناطقهم الأصلية ، وعلاوة كذلك على قلة روح المبادة والمغامرة لدى الشباب ، خاصة من حملة الشهائد العليا، القادرين بمقتضى الحوافز الكثيرة والسخية ، على إقامة مشروعات صغيرة أو متوسطة ، تكون في حد ذاتها خالقة لفرص عمل جديدة.

هل تكون تونس بأحداث الأيام الأخيرة ، قد دخلت في حلقة جديدة من الاضطرابات الدورية ، التي ما إن تطفئ جذوة واحدة ، حتى تشتعل أخرى ، ما دامت قضية التشغيل قائمة و بالحدة التي نراها

عبد اللطيف الفراتي

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.