أخبار - 2015.10.09

الحل في التوافق حول المصالحة الوطنية

الحل في التوافق حول المصالحة الوطنية

ثلاثة أرباع سنة 2015 مرت في ظل حكومة الانتقال الديمقراطي وقد انطلقت في عملها في ظروف صعبة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية زادتها الأوضاع الأمنية غير المستقرة تعقيدا من جراء استفحال ظاهرة الإرهاب التي عرفت أوجها بعمليتي باردو وسوسة وما خلفتها من تداعيات جد سلبية على القطاع السياحي وعلى مناخ الأعمال بصورة عامة بما أدى إلى تراجع في نسق النمو على ضعفه وإلى ظهور مؤشرات "فنية" للركود أو الانكماش الاقتصاديعملت الحكومة تحت "هرسلة" كل هاته الظروف مجتمعة فجاءت النتائج "الفنية" الأولية دون المؤمل نتيجة ضعف الموارد المالية وتراجع النمو الاقتصادي وعدم توفر السلم الاجتماعية وتردي الأوضاع الأمنيةوعلى الرغم من ذلك يبقى الأمل قائما على مدى توفق الحكومة في وضع السياسات الهيكلية الملائمة في المجال الاقتصادي والمالي, وفي إجراء الإصلاحات الكبرى (الموجعة أحيانا) والضرورية لخلق المناخ المحفز للأعمال في إطار منوال التنمية الذي سيقع اعتماده ضمن الخطة الخماسية المقبلة , على أن يتم التحكم بصورة هيكلية في الأوضاع الأمنية بما يؤمن التوقي والتصدي لظاهرة الإرهاب بالنجاعة المطلوبة من خلال تبني استراتيجية وطنية شاملة بأبعادها الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والثقافية والإعلامية , وعلى أن تكرس في الواقع بوادر الانفراج على مستوى استتباب السلم الاجتماعية التي بدت على الساحة بعد تدخل رئيس الجمهورية لدفع المفاوضات بين الأطراف الاجتماعية , وعلى أن تفعل الجهود من أجل إعادة الثقة لرجال الأعمال لتوفير المناخ الملائم لاستئناف المسار التنموي, كل ذلك في مناخ يسوده الوئام والحوار المسؤول والتوافق الوطني.

حتمية التوافق حول المصالحة الوطنية 

الأشهر القادمة ستكون حاسمة في مرحلة البناء على أسس هيكلية ولم يعد هناك مجال للتردد أو التباطؤ في الإنجاز, ولا بد من مزيد البذل للتسريع في إعداد المخطط الخماسي والانطلاق في تنفيذه , وفي إنجاز الإصلاحات الاقتصادية التي وقع إقرارها, ومن ضمنها بكل تأكيد إصدار مجلة الاستثمار الجديدة وإصلاح النظام الجبائي وتطوير المنظومة الديوانية وتحسين أنظمة النقد والصرف ذات الصلة بتحسين مناخ الاستثمار والتنمية, مع الانطلاق الفعلي في توطين مرتكزات التنمية الحقيقية في الجهات الداخلية خاصة على مستوى البنية التحتية والحوافز الجبائية وغيرها من خلال تفعيل سياسة التمييز الإيجابي لفائدة المناطق المحرومةلقد أطلنا النظر في "المرآة العاكسة" ولم يجدنا ذلك نفعا, فلنتعظ بدروس الماضي بكل موضوعية ومسؤولية , ولنمضي قدما في معالجة الحاضر وبناء المستقبل في إطار مقاربة استراتيجية شاملة ومتكاملة العناصر تعتمد تشريك كل التونسيين على أساس المواطنة وترد الاعتبار للمال قوام الأعمال ولقيمة العمل بالفكر وبالساعد مع تأمين الحوكمة الرشيدة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ,فلا مجال اليوم في ظل الديمقراطية الناشئة للفرقة ولا للإقصاء أو التهميش , ولا خيار لنا سوىالتعايش والتوافق والتضامن والتكافل من أجل المصلحة العليا للبلاد, ولا حق لنا في الفشل بعد اليوم, وإلا فهي "الصوملة" لا قدر الله أو "اللبننة" في أحسن الحالاتونحن غير قادرين على تحملها بسبب هشاشة نسيجنا الاجتماعي.

ذلك لأن بناء تونس اليوم في ظل الجمهورية الثانية يستدعي توفير  مناخ جديد من الثقة بين كل التونسيين طبقا لروح الدستور بتكريس مصالحة وطنية شاملة تطوي صفحات الماضي وتتعهد الحاضر والمستقبل في إطار دولة القانون والمؤسسات الراعية للحقوق والحريات والضامنة للنظام والعدالة والكافلة للكرامة, لأن النجاح في مرحلة الانتقال الديمقراطي يبقى رهن تمسك كل التونسيين على مختلف أطيافهم بمنهج الحوار الوطني والتوافق من أجل ترسيخ مناخ التسامح والتجاوز والمصالحة لتهيئة الأرضية الملائمة لدفع المسار التنموي الشامل على أساس التوازن والعدالة في توزيع مجهود التنمية بين الجهات والأجيال في إطار مقاربة إنمائية إندماجية شاملة ومستدامة ,وهو ما لا يتناقض بالضرورة مع تفعيل العدالة الانتقالية بواسطة القضاء المستقل للمحاسبة العادلة والشفافة عند الاقتضاء بعيدا عن روح التشفي أو الانتقام.

فلا مناص من توخي التوافق الوطني منهجا وسبيلا لمعالجة كل الأوضاع والإشكالات القائمة, مع تأمين حرية الرأي والتعبير وحق الاختلاف, حتى نسرع في إنجاز مرحلة البناء المستدام بوعي جماعي يعتمد الإيجابية في التعاطي مع القضايا المطروحة وينبذ كل مظاهر التعامل السلبي, ولا مجال اليوم للاستمرار في توظيف الاختلافات الإيديولوجية ولا المواجهات الحزبية لتغذية التجاذبات  السياسية على حساب الوفاق من أجل الوحدة الوطنية وهي الضامن الوحيد للمستقبل الأفضل لكل التونسيين , فوحدة التونسيين كافة وتضامنهم وتآزرهم من أجل المصلحة العليا للوطن أمر حتمي, وهو طوق النجاة ومفتاح النجاح في مواجهة الحاضر ورهاناته وفي الإعداد للمستقبل وتحدياته على المستوى الداخلي وعلى الصعيد الخارجي بحكم التطورات الخطيرة التي أصبحت تسود المحيط الجيوسياسي الإقليمي والدولي للبلاد.

التوافق حول المصالحة الوطنية هو مفتاح المعالجة الناجعة التي تمكن من تخطي الإشكالات القائمة ورفع التحديات المطروحة في وجه مسار البناء المستديم للوطن بعد المرحلة الانتقالية التي دامت أكثر من أربع سنوات آلت إلى ترد حقيقي في الوضع العام للبلاد على جميع المستويات إذا استثنينا الإنجاز السياسي المتمثل في دستور الجمهورية الثانية والتوفق في تنظيم الانتخابات التشريعية والرئاسية في أواخر سنة 2014 والتي أسفرت عن تكوين حكومة وطنية توافقية انطلقت في عملها في مناخ لم يكن خاليا من استمرار التجاذبات السياسية على الرغم من نجاح العملية الديمقراطية بشهادة كل الفرقاء السياسيين.

ويأتي التأكيد على ضرورة التوافق حول المصالحة الوطنية من منطلق شعور مرهف بالوطنية الصادقة, بعيدا عن أي حسابات حزبية أو فئوية ضيقة, في هذا الظرف بالذات الذي طفحت فيه التجاذبات السياسية من جديد على الساحة الوطنية على خلفية ما اعتبر "تناقضا" بين مسار العدالة الانتقالية والمبادرة التشريعية الرئاسية حول المصالحة المالية والاقتصادية, وذهب المعارضون للمشروع الرئاسي إلى حدالمطالبة بسحبه وإلى محاولة الاستقواء بالشارع عوض اللجوء إلى الوسائل الدستورية والقانونية وإلى الحوار والنقاش تحت قبة مجلس نواب الشعب والاحتكام إلى مسلك التوافقفي إطار الديمقراطية المنبثقة عن إرادة الشعبففي مثل هاته الوضعيات ذات الحساسية السياسية العالية لارتباطها بمصير البلاد وبتضامن شعبها ليست الوطنية بالضرورة في إرادة التشدد أوالقسوة إلى حد الانتقام من خلال المساءلة والمحاسبة في إطار العدالة الانتقالية بحجة "الحراك الثوري", بقدر ما تتجسد في توخي أيسر السبل من خلال تكريس روح التسامح والتجاوز من أجل الإصلاح وتوفير مناخ الوئام والثقة بين كل الفرقاء لصالح البلاد والعباد, ولا يعتبر التسامح هنا ضعفا أو تفريطا في حق الوطن, بل هو بمثابة قوة ناعمة صادرة عن المجموعة الوطنية تردع المخطئين في حق البلاد في إطار مساءلة ومحاسبة ميسرة الإجراءات بدون الانتقام منهم فتسهل إعادة اندماجهم في الدورة الاقتصادية ليساهموا في دفع عجلة التنمية.

قراءة موضوعية في مسار العدالة الانتقالية 

وإذ تقوم العدالة الانتقالية على تحقيق الغاية السامية للمصالحة الوطنية من خلال التحقيق في "فهم ومعالجة انتهاكات حقوق الإنسان بمساءلة ومحاسبة المسؤولين عنها وجبر ضرر الضحايا ورد الاعتبار لهم ...", فهي بمثابة منظومة استقصائية شبه قضائية تديرها هيئة الحقيقة والكرامة التي تتسم بتنظيم إداري يبدو ضخما من خلال هيكلتها المركزية والجهوية, وقد لا تخلو من بيروقراطية فضلا عن حجم ميزانيتها المرتفع كما وقع الإعلان عنهوتتفرع عنها مؤسسة مالية (صندوق الكرامة ورد الاعتبار لضحايا الاستبداد), ولجنتان متخصصتان (لجنة التحكيم والمصالحة) و (ولجنة الفحص الوظيفي وإصلاح المؤسسات), يضاف إلى ذلك ما ذهبت إليه الجهات التي بلورت المسار كما أقره المشرع (المجلس التأسيسي) من نبش معمق في التاريخ على مدى ستين سنة انطلقت قبل الإعلان عن الاستقلال حتى يشمل المسار تداعيات ما عرف بالمحنة اليوسفية, فتفتح بذلك جراح عميقة خلناها ضمدت نهائيا وتجاوز أصحابها عن آثارها تحليا بالحلم والتسامح, وتكفل بها التاريخ خاصة بعد ما غادر زعماء المرحلة وضحاياها الحياة الدنيا لتكون المساءلة والمحاسبة في الدار الآخرة عند القاضي الأعلى الشاهد على نفسه والمشهود لهبالعدل والإنصاف والذي يعلو حكمه الحق ولا يعلى عليه وهو العليم الخبير بتصرفات عباده سبحانه وتعالى, فعسى أن لا يؤول هذا النبش في التاريخ إلى إحياء روح الانتقام وإلى تأجيج نار الفتنة من جديد بين شرائح من التونسيين لم يعيشوا تلك المحنة , وهذا لا يعني بالطبع وبالضرورة تكريس طمس جانب من التاريخ أو حرمان الضحايا أو القائمين بحقهم من التظلم لدى القضاء لنيل حقوقهم طبقا للقانون وبعيدا عن التشفي والانتقام, مع عمل الجهات المسؤولة على اختصار المسالك وتبسيط الإجراءات لغلق الملف في فترة قصيرة تكرس بنهايتها المصالحة الوطنية المنشودة.

في إطار التفكير "بصوت عال" - والرجاء عدم المؤاخذة على حرية الرأي -ومساهمة في إثراء الحوار والنقاش حول إمكانية تبسيط آليات منظومة العدالة الانتقالية اختصارا للوقت واقتصادا في الأعباء الماليةأليس من الحكمة أن يوكل أمر البحث في قضايا انتهاكات حقوق الإنسان للهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب قبل إحالتها على القضاء للبت فيها؟ أليس من الحكمة إحالة لجنتي التحكيم والمصالحة والفحص الوظيفي وإصلاح المؤسسات إلى الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد للبحث في الملفات ذات الصلة وإحالتها للقضاء للبت فيها عند الاقتضاء؟ أليس من الحكمة الاستغناء عن لجنة الفحص الوظيفي لما توحيه من إرادة التمسك بمنحى العزل (الإداري) الذي هو من قبيل العزل السياسي؟ فضلا عن التنصيص على عدم الاحتجاج بقاعدة "اتصال القضاء" في تناقض صارخ مع مبدإ من المبادئ القانونية الكونية التي لها صلة بحقوق الإنسان الذي جاء القانون لردع انتهاكاتها؟ أليس من الأفضل تكريس منحى رد الاعتبار والتعويض الرمزي للضحايا وتوظيف الجزء الأكبر من موارد صندوق الكرامة في تشغيل الشباب العاطل عن العمل؟ كل ذلك تحت إشراف مجلس هيئة الحقيقة والكرامة الذي يتكفل بدور التنسيق والمتابعة مع التفرغ للقضية الأم التي بعثت من أجلها الهيئة وهي المصالحة الوطنية في أسمى معانيها ومضامينها حفظا للحقوق وللكرامة الوطنية وتجسيدا للمصالحة الجماعية للتونسيين مع ذواتهم ومع ماضيهم القريب بما يحفظ سلامة الذاكرة الوطنية بأبعادها السياسية والاجتماعية والفكرية والثقافية عبر التاريخ, وتلك هي محصلة مسار العدالة الانتقالية كما يريدها الضمير الشعبي وكما تم تكريسها في بعض الدول التي سبقتنا مثل جنوب إفريقيا وبولونيا والشيلي والمغرب, وفيذلك أكبر خدمة وأجل رمز يسجلهما التاريخ لتونس التسامح والتآخي والتضامن من أجل المصلحة العامة للوطن, وهو منحى لا مناص منه لتأمين النجاح في مرحلة الانتقال الديمقراطي وترسيخ النموذج التونسي في الديمقراطية التوافقية والوحدة الوطنية.

قراءة في مشروع قانون المصالحة الاقتصادية 

بالرجوع إلى مشروع قانون المصالحة الاقتصادية والمالية فهو يرمي إلى معالجة ملفات الفساد المالي عن طريق الصلح مع المخطئين والمخالفين وهو من حق الدولة ومعمول به في مثل هذه القضايا, ويأتي هذا المشروع مساهمة في تحقيق المصالحة باعتبارها الغاية السامية للعدالة الانتقالية, وهو بالتالي أقرب إلى التكامل منه إلى التناقض مع قانون العدالة الانتقالية, مع إمكانية إدخال بعض التعديلات عليه من طرف مجلس نواب الشعب تجاوبا مع مقترحات الأحزاب والمجتمع المدني وسعيا لحصول التوافق حوله حتى لا يتحول إلى فتنة لا قدر الله, من ذلك مثلا تعديل الصبغة "الإدارية" للجنة الصلح وإسناد رئاستها إلى قاض من الدرجة الأولى أو إلى شخصية وطنية مشهود لها بالكفاءة ونظافة اليد, على أن تؤخذ قراراتها بالتوافق,و بذلك يساهم القانون في تسريع مسار المصالحة الوطنية الشاملة بالفصل في الملفات الاقتصادية والمالية التي يجب أن تحظى بالأولوية والسرعة في المعالجة بهدف إرجاع الثقة للإدارة ولرجال الأعمال بعد الفصل في قضايا الفساد الإداري والمالي التي علقت بالبعض أثناء الفترة الماضية, والتي تم تناولها قضائيا بمقتضى الفصل 96 من المجلة الجزائية, مع السهو عن تطبيق الفصل 42 من نفس المجلة في حق الموظفين الذين قاموا بأفعال (غير مشروعة)" بإذن من السلطة التي لها النظر "وبالتالي ف "لا عقاب" عليهم من تلك الأفعال, ومن جراء ذلك حرمت الإدارة من عدد هام من الكوادر العليا وسادها مناخ من التخوف من تبعات تحمل المسؤولية في تنفيذ أوامر السلطة ذات النظر أو تحملها مباشرة بدون الرجوع إلى السلطة المعنية, وهو ما يفسر على رأي البعض ضعف أداء الإدارة خاصة على مستوى تنفيذ ميزانيات التنميةويمكن المشروع بعد تبنيه من معالجة قضايا الفساد المالي المشمولة بالقانونفي إطار مساءلة ومحاسبة إدارية بناء على اعتراف المعنيين وبطلب منهم وتؤمن حق الدولة وحق المجموعة الوطنية, وفي صورة عدم الفصل في القضية يبقى الأمر موكولا للقضاء للبت فيهوبذلك تتحقق الغاية من القانون بالمساهمة في تهيئة المناخ الملائم والمحفز لدفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعيةخاصة والبلاد مقدمة على وضع خطة إنمائية شاملة واندماجية ومستدامة تكرس البعد الاجتماعي للتنمية وتركز على التشغيل والتوازن الجهوي, مع الحرص على تأمين القدرة التنافسية للاقتصاد بهدف التحكم في الأسعار وفي نسب التضخم, وبحكم التفتح الضروري على الاقتصاد الدولي.

دعوة بكل لطف لكل الفرقاء المعنيين لتناول هذا المشروعمن منظور إرادة الإصلاح وتحريك مسار العدالة الانتقالية والتسريع في المصالحة الوطنية الشاملة لنمر إلى ما به تتحقق الكرامة والحريةوفي هذا السياق وإذ نذكر بأننا أضفنا رمز "الكرامة" لشعار الجمهورية, فذلك يحملنا مسؤولية جماعية نعي من خلالها أن كرامة التونسيين لا يؤمنها إلا العمل والمثابرة من أجل السمو نحو الأفضل, فلنعيد الاعتبار إلى قيمة العمل بالفكر وبالساعد وبالمال ولنعتمد نماذج العمل ذات الإنتاجية العالية حتى نطور اقتصادنا على أساس التنافسية داخليا وخارجيا, ونكون بالتالي فاعلين بحق على الساحة الدولية التي تحكمها القوة الاقتصادية والمالية والتكنولوجية في مناخ تيار العولمة الجارف الذي لا مكان فيه للضعفاء ولغير العاملي, ولا مكان فيه إلا للمؤسسات الاقتصادية القوية التي تعتمد معايير العمل ومواصفات الجودة ومقاييس الإنتاج والإنتاجية لتأمين القدرة التنافسية التي أصبحت تعتمد دوليا لتقييم المسارات الإنمائية للدول, وعلى أساسها يبني المانحون والمقرضون تقييماتهم لمدى قدرة وجاهزية الاقتصاد التونسي في الإيفاء بالتزاماته المالية الدولية.

وفي محصلة القول نؤكد على أن تحقيق التوافق حول المصالحة الوطنية هو الحل الجذري لكل القضايا والإشكالات التي لا تزال قائمة في طريقنا نحو الغد الأفضل على كل الأصعدة, حتى تكون جبهتنا الداخلية قوية وصلبة في إطار الوحدة الوطنية, بما نتمكن معه من التعامل بكفاءة عالية مع كل التحديات داخليا وخارجيا ونؤمن أقصى ظروف النجاح لكسب رهانات الحاضر والمستقبل, وقد يكون من المفيد بلورة التوافق المنشود ضمن مؤتمر وطني للمصالحة يعقد بمشاركة كل الأطراف السياسية ومكونات المجتمع المدني في الأسابيع المقبلة, وبذلك يكرس الوعي بحتمية التوافق حول المصالحة الوطنية مدى انتقال المجتمع التونسي من مرحلة المحاسبة المتشنجة والمتشفية إلى مرحلة المعالجة المعتدلة والعقلانية في جو من التسامح والتجاوز يؤمن استعادة مناخ الثقة بين التونسيين, وإلا فهي النكسة في مسار الانتقال الديمقراطي, وقد تكون الفتنة لا قدر الله, كما هي مكرسة على حدودنا وفي محيطنا الجيوسياسي العربي.

ولكن ثقتنا في الذكاء الجماعي للتونسيين وفي تمسكهم بثوابت الحوار وبقيم الوطنية الصادقة وتحليهم بالاعتدال والعقلانية في التعاطي مع اختلافاتهم, تجعلنا ندرك بأن النهاية ستكون فيها الغلبة للشعب التونسي بمختلف أطيافه لتحقيق المصالحة الوطنية وتكريس الوحدة الوطنية حتى تكون تونس بحق النموذج والاستثناء في محيطها الجيوسياسي المتوتر والمضطرب.

نسأل الله التوفيق والسداد.

 

صالح الحامدي
كاتب دولة سابق

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.