هل تنكّر العرب لمكارم الأخلاق؟

هل تنكّر العرب لمكارم الأخلاق؟

ليس  من المستغرب أن تثير قضيّة اللاجئين السوريين هذا الفيض من مشاعر التأثّر والتعاطف بما دفعت به من مشاهد مأساويّة لجموعهم المتدفّقة نحو الحدود الأوروبيّة، طلبا للنجاة من جحيم الحرب في بلادهم..وهي مشاهد أيقظت في الضمير الأوروبي بالأساس ما أرادت أوروبا مجتهدة أن تنساه منذ الحرب العالميّة الثانية.

تذكّر الجميع اليوم، في أوروبا المترفة قطارات الموت في رحلاتها إلى معتقلات النازية في ألمانيا، وأحالتهم صور اللاجئين السوريين إلى صور تلك الوجوه البائسة والعيون الزائغة والفرائص المرتعدة والأيدي العزلاء والصدور العارية داخل مراكز الاعتقال.الأقفاص الحديديّة والأسلاك الشائكة وكلاب الحراسة...كلّ ذلك كان يعيد إلى الأذهان ماضيا مرعبا وكأنّ الزمن توقّف منذ أكثر من سبعين عاما. هذه حال أوروبا اليوم وهي تستيقظ فجأة على بعض نتائج الحرب التي شاركت في إيقادها، إلى جانب الولايات المتحدة، في منطقة الشرق الأوسط وخاصّة ضدّ العراق وسوريا.

كلّ الدلائل اليوم تشير إلى أنّ الاتحاد الأوروبي لم يكن ينتظر هذه السيول البشريّة المتدفّقة على حدوده وانبرى القادة الأوروبيون يجتهدون في إقناع الرأي العام بعدالة هذه الحرب وضرورة تحمّل تبعاتها التي يبدو أنّها فاجأت الجميع حتّى أنّها أصبحت تهدّد أسس الوحدة الأوروبيّة. فالاتحاد الأوروبي نادى بدخول الحرب بصورة جماعيّة، تحت الراية الامريكية، وباسم الديمقراطيّة ، هذه «التقيّة» التي تلفّ بها القوى الاستعمارية الغربية كلّ الحروب والغزوات التي شنّتها، منذ القرن التاسع عشر، ضدّ شمال افريقيا والمشرق. وها هي أوروبا اليوم تفشل في إيجاد سياسة موحّدة تجاه المعضلة السوريّة وانفجار بركان اللاجئين الذي تفاقمت تأثيراته، حتّى أنّك لمّا تقرأ تصريحات الحكومات الأوروبية تجد فيها من التباين والتناقض والتنافس ما يذكّرك بأزمات الماضي القريب والبعيد. وليس من المستبعد أن تلقي قضيّة اللاجئين السوريين بالذات بظلالها على الحملات الانتخابيّة القادمة، في كلّ من فرنسا وبريطانيا وإسبانيا وإيطاليا، وهي من الركائز الأساسيّة في البنيان الأوروبي. وقد اختطفت هذه القضيّة الأضواء من الملفّات الاقتصاديّة والماليّة والمناخيّة.

والأغلب على الظنّ أنّ الجهود الهادئة التي تبذل في بعض الساحات الدبلوماسيّة البعيدة عن الأنظار سوف تعيد حول مائدة المفاوضات الفاعلين الرئيسيين الذين يمكن لهم التوصّل إلى التسوية السلميّة الممكنة للمعضلة السوريّة. ولعلّ رؤية كلّ من واشنطن وموسكو تلتقي حول أرضيّة مشتركة تفضي إلى إنقاذ هياكل الدولة السوريّة والجيش السوري وتفادي كوارث الارتجال كما حدث في التجربة العراقيّة، بما يساعد على تجنيد كلّ القوى الممكنة للقضاء على تمدّد التنظيمات الإرهابيّة في كامل منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا.

أمّا بخصوص الدول العربيّة، فقد بدا جليّا أنّ تطوّرات أزمة اللاجئين السوريين قد فاجأتها وزادت في تعرية مواقفها إزاء الحرب في سوريا ومأساة شعبها، اعتبارا إلى أنّ عددا من هذه الدول طرف رئيسي مشارك في دعم الإرهاب وتمويله. ولم يقتنع الرأي العام العربي ولا الرأي العام الدولي بالمبرّرات التي حاولت تقديمها بعض الدول الخليجيّة، بعد شعورها بالحرج،  لتفسير عدم قدرتها على استقبال المزيد من السوريين على أراضيها.

لقد رأى البعض في هذا الموقف المتخاذل تنكّرا لمكارم الأخلاق الإسلاميّة التي من ضمنها نصرة الأخ لأخيه عندما يستجير به ويطلب حمايته ومساعدته.كما أيقن الكثيرون، أمام سكوت العرب المطبق تجاه مأساة الشعب السوري، أنّهم باتوا أسرى قوى تدفعهم إلى استعداء بعضهم البعض، فإذا بهم يخرّبون بيوتهم بأيديهم ويشعلون الحروب فيها ولكنّهم لا يقدرون على إطفاء نيرانها. تلك هي اليوم حال العرب الذين خرجوا من دائرة الفعل، إن لم يكونوا قد خرجوا أصلا من حركة التاريخ.

 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.